كَفَالَتِهِ فَمَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْأَمَانَةِ فِيهِ كَانَ مُقَرًّا مَعَهُ وَلَيْسَ تُرَاعَى فِيهِ الْعَدَالَةُ فَيَكُونُ جَرْحُهُ فِي شَيْءٍ جَرْحًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهِ الْأَمَانَةُ وَقَدْ يَكُونُ أَمِينًا فِي شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤْتَمَنٍ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا كَانَ الْمَالُ الَّذِي لَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا فِي يَدِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَاللُّقَطَةِ لِأَنَّهَا جَمِيعًا مال بخلاف المنبوذ قلنا لأن مال اللقطة كَسْبُ الْمُلْتَقِطِ وَلَيْسَ مَالُ الْمَنْبُوذِ كَسْبًا لِلْمُلْتَقِطِ، وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَلَى مَالِهِ غير أمين على نفسه ما مِنِ اسْتِرْقَاقِهِ وَإِمَّا لِأَنَّهَا ذَاتُ فَرْجٍ لَا يُؤْمَنُ غَيْرُهُ فَيُنْتَزَعُ الْمَنْبُوذُ مِنْهُ وَفِي إِقْرَارِ الْمَالِ مَعَهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقَرُّ مَعَهُ وَإِنْ نُزِعَ الْمَنْبُوذُ مِنْهُ. كَمَا يُقَرُّ الْمَنْبُوذُ مَعَهُ وَإِنْ نُزِعَ الْمَالُ مِنْهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُنْتَزَعُ الْمَالُ مِنْهُ مَعَ الْمَنْبُوذِ لِأَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ لَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْبُوذِ وَبَيْنَ مَالِهِ أَنَّ لملتقط المنبوذ حق فِي كَفَالَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي حِفْظِ مَالِهِ وَإِنَّمَا الْحَقُّ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَلَهُ الْكَفَالَةُ فَافْتَرَقَا.
ثُمَّ الْحَاكِمُ مَنْدُوبٌ إِلَى الْإِشْهَادِ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْمَنْبُوذَ وَمَالُهُ فِي يَدِهِ كَمَا كَانَ مَنْدُوبًا إِلَى الْإِشْهَادِ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْمَنْبُوذَ وَمَالُهُ فِي يَدِ مُلْتَقِطِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْقَيِّمُ بِكَفَالَةِ الْمَنْبُوذِ وَحِفْظِ مَالِهِ غَيْرَ الْمُلْتَقِطِ لَهُ لِتَسْلِيمِ الْحَاكِمِ لَهُ إِلَى مَنِ ارْتَضَاهُ لِأَمَانَتِهِ عِنْدَ حَيَاةِ مُلْتَقِطِهِ فَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْحَاكِمِ إِلَيْهِ ذَلِكَ حُكْمٌ يُغْنِي عَنِ الْإِشْهَادِ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطَ فَفِيهِ وَفِي اللُّقَطَةِ ثلاثة أوجه مضيا.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْإِشْهَادَ وَاجِبٌ فِي اللُّقَطَةِ وَالْمَنْبُوذِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِمَا جَمِيعًا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْمَنْبُوذِ وَغَيْرُ وَاجِبٍ فِي اللُّقَطَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَمَا أَخَذَ ثَمَنَهُ الْمُلْتَقِطُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَهُوَ ضَامِنٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا وَجَدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ كَمَا يَجِبُ نَفَقَةُ الطِّفْلِ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فِي مَالِهِ دُونَ مَالِ أَبِيهِ فَإِنْ تَطَوَّعَ الْمُلْتَقِطُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ، مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ مُحْسِنًا كَالْأَبِ إِذَا تطوع بالإنفاق على ولده الغني وإن أرد الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَزِمَهُ اسْتِئْذَانُ الْحَاكِمِ فِيهِ سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ لِلْحَاكِمِ عليه نظر فِي اللَّقِيطِ أَوْ لَيْسَ لَهُ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ نَظَرًا فِي مَالِهِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَإِنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى اسْتِئْذَانِهِ أَوْ غَيْرَ قَادِرٍ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى اسْتِئْذَانِهِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَنْفَقَ قَصْدًا أَوْ سَرَفًا لِأَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الْوَالِي عَلَى الْمَالِ دُونَهُ وَصَارَ ذَلِكَ وَإِنْ وَصَلَ إِلَى مَالِكِهِ كَمَنْ أَخَذَ عَلَفَ رَجُلٍ أَعَدَّهُ لِدَابَّتِهِ فَأَطْعَمَهَا إِيَّاهُ ضَمِنَهَا لَهُ وَإِنْ وَصَلَ إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ.
كَالْجَمَّالِ إِذَا هَرَبَ مِنْ مُسْتَأْجِرِهِ فاكترى لنفسه عند إعواز الحاكم لِيَسْتَأْذِنَهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَا يَضْمَنُ الْمُلْتَقِطُ لِضَرُورَتِهَا وَالثَّانِي لَا يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ ويضمن