قال الشافعي رحمه الله تعالى فيما وضع بخطه: " ما وُجِدَ تَحْتَ الْمَنْبُوذِ مِنْ شَيْءٍ مَدْفُونٍ مِنْ ضرب الإسلام أو كان قريبا منه فهو لُقَطَةٌ أَوْ كَانَتَ دَابَّةً فَهِيَ ضَالَّةٌ فَإِنْ وُجِدَ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ مَالٌ فَهُوَ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ أَمَّا الْمَنْبُوذُ فَهُوَ الطِّفْلُ يُلْقَى لِأَنَّ النَّبْذَ فِي كَلَامِهِمُ الْإِلْقَاءُ وَسُمِّيَ لَقِيطًا لِالْتِقَاطِ وَاجِدِهِ لَهُ وَقَدْ تَفْعَلُ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ بِوَلَدِهَا لِأُمُورٍ: مِنْهَا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ مِنْ فَاحِشَةٍ فَتَخَافُ الْعَارَ فَتُلْقِيهِ أَوْ تَأْتِي بِهِ مِنْ زَوْجٍ فَتَضْعُفُ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ فَتُلْقِيهِ رَجَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ. أَوْ تَمُوتُ الْأُمُّ فَيَبْقَى ضَائِعًا فَيَصِيرُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَالْقِيَامُ بِتَرْبِيَتِهِ عَلَى كَافَّةِ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ حَتَّى يَقُومَ بِكَفَالَتِهِ مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ كَالْجَمَاعَةِ إِذَا رَأَوْا غَرِيقًا يَهْلِكُ أَوْ مَنْ ظَفِرَ بِهِ سَبْعٌ فَعَلَيْهِمْ خَلَاصُهُ وَاسْتِنْقَاذُهُ.
لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ شُكْرَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ أحياهم وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ نَابَ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ فِي إِحْيَائِهِ.
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّدْبِ عَلَى أَخْذِهِ وَالتَّوَصُّلِ إِلَى حِرَاسَةِ نَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 8] طَلَبًا لِحِفْظِ نَفْسِهِ وَرَغْبَةً فِي ثَوَابِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ مَنْبُوذًا وُجِدَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاسْتَأْجَرَ لَهُ امْرَأَةً تَكْفُلُهُ وَاسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي النَّفَقَةِ فَأَشَارُوا أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبَى جَمِيلَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَخَذْتُ مَنْبُوذًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه فذكره عريفي عمر فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَدَعَانِي وَالْعَرِيفُ عِنْدَهُ قَالَ عَسَى الغوير أبو ساء فَقَالَ عَرِيفِي إِنَّهُ لَا يَفْهَمُ فَقَالَ عُمَرُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقُلْتُ وَجَدْتُ نَفْسًا مُضَيَّعَةً فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَأْجُرَنِي اللَّهُ عَزَ وَجَلَّ فِيهَا قَالَ هُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لَكَ وَعَلَيْنَا رَضَاعُهُ.
فَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ لَقِيطًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَجِدَ مَعَهُ مَالًا أَوْ لَا يَجِدُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُ مَالًا تطوع بأخذه والنفقة عليه وَإِنْ أَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ تَطَوُّعًا إِمَّا لِعَجْزٍ أَوِ شُحٍّ رُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى الْحَاكِمِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَإِنْ وَجَدَ مَعَهُ مَالًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ بَاعِثًا عَلَى أخذه والقيام