جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْعُمْرَى لِمَنْ وَهَبَ " فَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا " فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا إِلَى مَاذَا يُوَجَّهُ النَّهْيُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُوَجَّهُ إِلَى الْحُكْمِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " فَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فَهُوَ سبيل الميراث ".
والوجه الثاني: أن يُوَجَّهُ إِلَى اللَّفْظِ الْجَاهِلِيِّ وَالْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ عَلَى مَا سَنَشْرَحُهُ مِنْ بَعْدُ.
: فَإِذَا صَحَّ فِي الْجُمْلَةِ جَوَازُ الْعُمْرَى فَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ يُتَوَجَّهُ التَّمْلِيكُ فِيهَا إِلَى الرَّقَبَةِ أَمِ الْمَنْفَعَةِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأبي يوسف: التَّمْلِيكُ فِيهَا يُتَوَجَّهُ إِلَى الرَّقَبَةِ كَالْهِبَاتِ. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: إَِنَّ التَّمْلِيكَ فِيهَا مُتَوَجَّهٌ إِلَى الْمَنْفَعَةِ وَالرَّقَبَةِ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَنَّ التَّمْلِيكَ فِي الْعُمْرَى يُتَوَجَّهُ إِلَى الرَّقَبَةِ وَفِي الْعُمْرَى مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْمَنْفَعَةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِهِمَا مَعًا الرَّقَبَةُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَيُّمَا رجلٍ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهُ لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا يَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا " لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " جعل العمرى للوراث " وَلِأَنَّ لَفْظَ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى فِي قَوْلِهِمْ قَدْ جَعَلْتُ دَارِي هَذِهِ لَكَ عُمْرَى أَوْ رُقْبَى مُتَوَجَّهٌ إِلَى الرُّقْبَى لِوُقُوعِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهَا، وَتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَتَوَجَّهَ التَّمْلِيكُ إِلَيْهَا.
فَصْلٌ
: فَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُمْرَى والرقبى يملك بهما الرقبى فَسَنَشْرَحُ الْمَذْهَبَ فِيهَا وَنَبْدَأُ بِالْعُمْرَى مِنْهُمَا وَلِلْمُعْمِرِ فِي الْعُمْرَى ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ: قَدْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: قَدْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَى.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ قَدْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرِي أَنَا.
فَأَمَّا الْحَالُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ أَوْ حَيَاتَكَ فَلَا يَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ: قَدْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ، أَوْ لِوَرَثَتِكَ بَعْدَكَ، فَهَذِهِ