وَالثَّانِي: لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يعمل فَيْهِ وَلَا يَمْلِكَهُ إِذَا تَرَكَهُ وَالثَّالِثُ يَقْطَعُهُ فَيَمْلِكُهُ مِلْكَ الْأَرْضِ إِذَا أَحْدَثَ فِيهَا عِمَارَةً.
اعْلَمْ أَنَّ الْمَعَادِنَ الْبَاطِنَةَ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ، وَضَرْبٌ عَمِلَ فِيهِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْمَلَ مِنْهُ بِمَا يُشَاهَدُ مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّهُ إِنْ عَمِلَ فِيهِ ظَهَرَ نَيْلُهُ وَأَجَابَ وَلَمْ يُخْلَفْ فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا اخْتِلَافُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِ إِقْطَاعِهِ وَمَنْ لَمْ يُقْطَعْ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لِمَنْ وَرَدَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُعْلَمَ مِنْهُ ظهور نبله يَقِينًا وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُخْلَفَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُخْلَفَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوَاتِ فِي جَوَازِ إِقْطَاعِهِ وَتَأْيِيدِ مِلْكِهِ بِالْإِحْيَاءِ أَوْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَعَادِنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوَاتِ فِي جَوَازِ إِقْطَاعِهِ وَتَأْيِيدِ مِلْكِهِ بِالْإِحْيَاءِ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَاتِ مَا لَمْ يتقين كَوْنَهُ مَعْدِنًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَعَادِنِ تَغْلِيبًا لِظَاهِرِ أَمْرِهَا مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ كَوْنَهُ مَوَاتًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
: وَأَمَّا مَا عَمِلَ فِيهِ فَضَرْبَانِ:
أحدهما: أن يكون العمل منه إِسْلَامِيًّا فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَنْ إِقْطَاعِ إِمَامٍ.
وَالثَّانِي: عَنْ غَيْرِ إِقْطَاعٍ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ فِيهِ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ إِقْطَاعٍ فَإِنْ تَرَكَ الْعَمَلَ عَادَ إِلَى أَصْلِهِ فِي الْإِبَاحَةِ وَجَازَ لِلنَّاسِ الْعَمَلُ فِيهِ، وَفِي جَوَازِ إِقْطَاعِهِ قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ مُقِيمًا عَلَى الْعَمَلِ فِيهِ فَفِي جَوَازِ مُشَارِكَةِ النَّاسِ لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ مِن اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا هَلْ يَكُونُ إِذْنُ الْإِمَامِ شَرْطًا فِي تَمَلُّكِهِ مُدَّةَ الْعَمَلِ أَمْ لَا؟
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ حَتَّى يَقْطَعَ الْعَمَلَ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجْعَلُ إِذْنَ الْإِمَامِ شَرْطًا فِي تَمَلُّكِهِ مُدَّةَ الْعَمَلِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ فِي مُدَّةِ عَمَلِهِ أَنْ يُقْطِعَهُ أَحَدًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ فِيهِ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ، وَلِمَنْ وَرَدَ إِلَيْهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ هَذَا الْعَمَلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي قَدْ عَمِلَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجْعَلُ إِذْنَ الْإِمَامِ شَرْطًا فِي تَمَلُّكِهِ مُدَّةَ الْعَمَلِ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ فِي مُدَّةِ عَمَلِهِ أَنْ يُقْطِعَهُ مَنْ رَأَى وَيَتَوَجَّهُ إِقْطَاعُ الْإِمَامِ إِلَى مَا سِوَى مَوْضِعِ عَمَلِهِ مِنَ الْمَعْدِنِ، فَإِذَا قَطَعَ الْعَمَلَ جَازَ إِقْطَاعُ جَمِيعِهِ.
فَصْلٌ
: فَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ فِيهِ مُسْلِمٌ بِإِقْطَاعِ إِمَامٍ لَمْ يَجُزْ فِي مُدَّةِ الْعَمَلِ أَنْ يُشَارِكَ فِيهِ،