وَقَالَ مَالِكٌ: يَصِيرُ كَالْمَوَاتِ الْجَاهِلِيِّ يَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ سَوَاءٌ عُرِفَ أَرْبَابُهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفُوا.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ عُرِفَ أَرْبَابُهُ فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِمْ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ؛ اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ، وَحَقِيقَةُ الْمَوَاتِ: مَا صَارَ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ مَوَاتًا، وَمَا لَمْ يَزَلْ مَوَاتًا فَإِنَّمَا يُسَمَّى مَجَازًا، قَالُوا: وَلِأَنَّ مَا صَارَ مَوَاتًا مِنَ الْعَامِرِ زَالَ عن حكم العامر كَالْجَاهِلِيِّ، وَلِأَنَّهُ مَوَاتٌ فَجَازَ إِحْيَاؤُهُ كَسَائِرِ الْمَوَاتِ؛ وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ " وَهَذَا مَالُ مُسْلِمٍ.
وَرَوَى عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا فَجَعَلَ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنِ الْمَوَاتِ شَرْطًا فِي جَوَازِ مِلْكِهِ بِالْإِحْيَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ مِلْكٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْلَكَ بِالْإِحْيَاءِ وَرَوَى أَسْمَرُ بْنُ مُضَرِّسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ مَالٌ " فَخَرَجَ النَّاسُ تَبَعًا يَتَخَاطُّونَ، وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّهَا أَرْضٌ اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا مِلْكُ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُمْلَكَ بِالْإِحْيَاءِ كَالَّذِي بَقِيَتْ آثَارُهَا مَعَ مَالِكٍ، وَكَالَّذِي تَعَيَّنَ أَرْبَابُهَا مَعَ أبي حنيفة، وَلِأَنَّ مَا صَارَ مَوَاتًا مِنْ عَامِرِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْلَكَ بِالْإِحْيَاءِ كَالْأَوْقَافِ وَالْمَسَاجِدِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ فَهُوَ دليل عليهم، لأنه الْأَوَّلَ قَدْ أَحْيَاهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهَا مِنَ النَّاسِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَسْبَقُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ ثَبَتَ بِاتِّفَاقٍ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْجَاهِلِيِّ وَعَلَى الَّذِي لم ينزل مَوَاتًا فَالْمَعْنَى فِيهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَجر عَلَيْهِمَا ملك مسلم.
: فإذا تقرر أن إحياؤه لَا يَجُوزُ فَإِنْ عُرِفَ أَرْبَابُهُ فَهُمْ أَحَقُّ بِهِ وَلَهُمْ بَيْعُهُ إِنْ شَاءُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَرْبَابُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ يُعْمِّرُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ إِذَا رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا، لِقِيَامِهِ بِالنَّظَرِ الْعَامِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ.
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وعطيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَّةٌ لِمَنْ أَحْيَا الْمَوَاتَ أَثْبَتُ مِنْ عَطِيَّةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا كَمَا قَالَ.
الْمَوَاتُ يُمْلَكُ بِإِحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ وَإِقْطَاعِهِ وَبِهِ قَالَ أبو يوسف ومحمد.