الصَّحِيحِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ إِذَا تَلِفَتْ مَضْمُونَةً فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَضَمَانِهَا فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْمَنْكُوحَةُ حُرَّةً فَالْحُرَّةُ لَمْ تَزَلْ يَدُهَا عَنْ نَفْسِهَا وَلَا عَنْ بُضْعِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ مَهْرَ بُضْعِهَا إِلَّا بِالتَّصَرُّفِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهُ وَإِنِ اسْتَقَرَّ الْغَصْبُ عَلَى مَنَافِعِهَا فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَى بُضْعِهَا بَلْ يَدُهَا عَلَيْهِ أَثْبَتُ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا، اسْتَخْدَمَ أَوْ لَمْ يَسْتَخْدِمْ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا مَا لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا، وَلِذَلِكَ مَنَعَ سَيِّدُ الأمة من بيعها. إذا غصبت لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ حَائِلَةٌ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَزْوِيجِهَا إِذَا غُصِبَتْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْبضْعِ يَدٌ حَائِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِذَا اكْتَرَى دَارًا سَنَةً فَغَصَبَهَا رجلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كِرَاءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ له مَا اكْتَرَى ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا غُصِبَتِ الْأَرْضُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فله افسخ وَهَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِالْغَصْبِ عَلَى قَوْلَيْنِ
أَصَحُّهُمَا: بَاطِلَةٌ، وَالْمُسْتَأْجِرُ بَرِيءٌ مِنْ أُجْرَةِ مُدَّةِ الْغَصْبِ، لا يَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ خَصْمًا لِلْغَاصِبِ فِيهَا لِأَنَّ خَصْمَ الْغَاصِبِ إِنَّمَا هُوَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ، وَلَيْسَ الْمُسْتَأْجِرُ مَالِكًا وَلَا وَكِيلًا، فَلَمْ يَكُنْ خَصْمًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَبْطُلُ، لِأَنَّ غَاصِبَهَا ضَامِنٌ لِمَنَافِعِهَا، لَكِنْ يَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ بِحُدُوثِ الْغَصْبِ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْمُقَامِ وَالْفَسْخِ، فَإِنْ فَسَخَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْأُجْرَةُ، وَلَمْ يَكُنْ خَصْمًا لِلْغَاصِبِ فِيهَا، وَإِنْ أَقَامَ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى، وَيَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَيَصِيرُ خَصْمًا لَهُ فِي الْأُجْرَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ، إِلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَيْءٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا فِي الرَّقَبَةِ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا اكْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ أَوِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ فِيمَا أخْرِجَتِ الصَّدَقَةُ خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وَهَذَا مَالُ مسلمٍ وَحَصَادُ مسلمٍ فَالزَّكَاةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ الْأَرَضِينَ ضَرْبَانِ: أَرْضُ عُشْرٍ، وَأَرْضُ خَرَاجٍ، فَأَمَّا أَرْضُ الْعُشْرِ فَهُوَ مَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ أَوْ غَنِمُوهُ فَاقْتَسَمُوهُ، أَوْ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَمَلَكُوهُ، فَالْعُشْرُ فِي زَرْعِهَا وَاجِبٌ إِنْ زَرَعَهَا مُسْلِمٌ، وَلَا عُشْرَ فِيهِ إِنْ كَانَ الزَّرْعُ لِمُشْرِكٍ.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ أَرْضَ عُشْرٍ صَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ وَلَا تَعُودُ إِلَى الْعُشْرِ أَبَدًا.