التَّلَفِ كَضَرْبِ الزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مَنْ دَفَعَ إِنْسَانًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى فِعْلٍ مُتَقَدِّمٍ فَأَمَّا الْحُدُودُ الْوَاجِبَةُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَمَانٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ اسْتِيفَائِهَا وَإِنَّ الضَّمَانَ يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا. فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الضَّمَانِ مِنَ التَّعْزِيرِ فَأَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ عُمَرَ وَقَوْلِهِ لِعَلِيٍّ عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِكَ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ.
وَالْقَوْلُ الثاني: إِنَّ الدِّيَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ عَنْ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَا حَدَثَ عَنْهُ مِنَ الضَّمَانِ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ فَعَلَى هَذَا فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: فِي بَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا. وَالثَّانِي: فِي مَالِهِ وَيَكُونُ تَأْوِيلُ فِعْلِ عُمَرَ فِي تَحْصِيلِ الدِّيَةِ لِعَاقِلَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ فَعَادَ إِلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا أَنَّ مَنْ وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إِذَا عَدِمُوا جُعِلَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " ولو اختلفا في ثوبٍ فقال ربه امرأتك أَنْ تُقَطِّعَهُ قَمِيصًا وَقَالَ الْخَيَّاطُ بَلْ قُبَاءً بَعْدَ أَنْ وَصَفَ قَوْلَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إِنَ الْقَوْلَ قَوْلُ الْخَيَّاطِ لِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْقَطْعِ وَقَوْلَ أبي حنيفة إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إِلَى رجلٍ فَقَالَ رهن وقال ربه وديعة. ولعل من حجته أن يقول وإن اجتمعا على أنه أمره بالقطع فلم يعمل له عمله كما لو استأجره على حملٍ بإجارةٍ فقال قد حملته لم يكن ذلك له إلا بإقرار صاحبه وهذا أشبه القولين وكلاهما مدخول (قال المزني) رحمه الله القول ما شبه الشافعي بالحق لأنه لا خلاف أعلمه بينهم أن من أحدث حدثاً فيما لا يملكه أنه مأخوذ بحدثه وأن الدعوى لا تنفعه فالخياط مقر بأن الثوب لربه وأنه أحدث فيه حدثاً وادعى إذنه وإجارةً عليه فإن أقام بينةً على دعواه وإلا حلف صاحبه وضمنه ما أحدث في ثوبه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ الْخَيَّاطُ قَبَاءً ثُمَّ اخْتَلَفَ رَبُّهُ وَالْخَيَّاطُ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُكَ أَنْ تَقْطَعَهُ قَمِيصًا فَتَعَدَّيْتَ بِقَطْعِهِ قَبَاءً فَعَلَيْكَ الضَّمَانُ. وَقَالَ الْخَيَّاطُ بَلْ أَنْتَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْطَعَهُ قَبَاءً فَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ وَلِيَ الْأُجْرَةُ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ عُمِلَ عَلَيْهَا وَحُكِمَ بِمُوجِبِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَحَكَى مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْخَيَّاطِ وَمَذْهَبُ أبي حنيفة إن القول قول رب الثوب.
قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَكِلَاهُمَا مَدْخُولٌ فَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ ذَلِكَ إِلَى مُخْتَصَرِهِ هَذَا وَحَكَى فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ ثَوْبًا لِيَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَقَالَ الصَّبَّاغُ بَلْ أَخْضَرَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ فَهَذَا نَقْلُ مَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في ذلك على ثلاثة طرق: