أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَمَعَنَا الْقَلِيلُ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ". وَرُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ الْعَرَكِيَّ قَالَ: " إِنَّا نَرْكَبُ فِي الْبَحْرِ فِي أَرْمَاثٍ لَنَا ". وَالْعَرَكِيُّ: الصَّيَّادُ.
والأرماث: الخشب يضم بعضه إلى بعض فنركب عَلَيْهَا فِي الْبَحْرِ ". قَالَ الشَّاعِرُ:
(تَمَنَّيْتُ مِنْ حُبِّي بُثَيْنَةَ أَنَّنَا ... عَلَى رَمَثٍ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ لَنَا وَفْرُ)
قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " هذا الحديث نصف العلم الطهارة، وَلَعَمْرِي إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى طَهَارَةِ مَا يَنْبُعُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى طَهَارَةِ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْمَاءُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ أَوْ نَابِعًا مِنَ الْأَرْضِ.
فَأَمَّا الطَّهُورُ الْمَوْصُوفُ بِهِ الْمَاءُ فِي الْآيَةِ وَالْخَبَرِ فَهُوَ صِفَةٌ تَزِيدُ عَلَى الطاهر يتعدى التطهير منه لغيره، فَيَكُونُ مَعْنَى الطَّهُورِ هُوَ الْمُطَهِّرُ.
وَقَالَ أبو حنيفة وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ، وَابْنُ دَاوُدَ وَالْأَصَمُّ: إِنَّ الطَّهُورَ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ لَا يَخْتَصُّ بِزِيَادَةِ التَّعَدِّي.
وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَجْوِيزُهُمْ إِزَالَةَ الْأَنْجَاسِ بِالْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَاتِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] . يَعْنِي طَاهِرًا لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّطْهِيرِ بِهِ وَقَالَ جرير: