وَالثَّانِي: يَعْنِي أَنَّهَا قَدْ عَمَّتْ بِخَيْرِهَا وَمِنْهُ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَمَّتْكُمُ النَّخْلَةُ يَعْنِي عَمَّتْ بِخَيْرِهَا وَقِيلَ بَلْ عَنَى أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلِ طِينَةِ آدَمَ فَصَارَتْ عَمَّةً فِي النَّسَبِ، فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْغَصْبِ وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا كَانَ كَافِرًا وَمَنْ فَعَلَهُ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ كَانَ فَاسِقًا.
: فَإِذَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْغَصْبِ كَمَا ذَكَرْنَا فَالْغَصْبُ هُوَ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ مِلْكِهِ والتَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ فَيُكْمِلُ الْغَصْبَ بِالْمَنْعِ وَالتَّصَرُّفِ فَإِنْ مَنَعَ وَلَمْ يَتَصَرَّفْ كَانَ تَعَدِّيًا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ ضَمَانٌ لِأَنَّهُ تَعَدَّى عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمِلْكِ وَإِنَّ تَصَرَّفَ وَلَمْ يَمْنَعْ كَانَ تَعَدِّيًا وَتَعَلَّقَ بِهِ ضَمَانٌ لِأَنَّهُ تعدٍ عَلَى الْمِلْكِ دُونَ الْمَالِكِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَنْعِ والتصرف ثم الْغَصْبُ وَلَزِمَ الضَّمَانُ سَوَاءٌ نَقَلَ الْمَغْصُوبَ عَنْ مَحَلِّهِ أَمْ لَا.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَتِمُّ الْغَصْبُ إِلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ لَمْ يَصِحَّ غَصْبُهُ وَلَمْ يَضْمَنِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ غَيْرَ الْمَنْقُولِ مُخْتَصٌّ بِالْمَنْعِ دُونَ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَحَبْسِ الْإِنْسَانِ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِغَصْبِ مَالِهِ وَلِأَنَّ الْمَسْرُوقَ لَا يَكُونُ مَسْرُوقًا إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنِ الْحِرْزِ فَكَذَا الْمَغْصُوبُ لَا يَصِيرُ مَغْصُوبًا إِلَّا بِالنَّقْلِ وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَصِرِ الْمَالُ بِهِ مَسْرُوقًا لَمْ يَصِرْ بِهِ مَغْصُوبًا كَالْمَنْعِ وَالْإِحَالَةِ.
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِنَّ أَعْظَمَ الْغُلُولِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلَ مِنْ أَرْضِ غَيْرِهِ إِلَى أَرْضِ نَفْسِهِ فَأَطْلَقَ عَلَى الْأَرْضِ حُكْمَ الْغُلُولِ وَالْغَصْبِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ سَارِقَ الْمَنَارِ قِيلَ وَمَا سَارِقُ الْمَنَارِ؟ قَالَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الْعَلَامَةَ مِنْ أَرْضِ نَفْسِهِ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَجَعَلَ ذَلِكَ سَرِقَةً وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: ملعونٌ مَنْ لَعَنَ أَبَاهُ ملعونٌ مَنْ لَعَنَ أُمَّهُ ملعونٌ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ، وَفِي تُخُومِ الْأَرْضِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: عُلَمَاؤُهَا. وَالثَّانِي: حُدُودُهَا وَأَعْلَامُهَا وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْقَبْضِ فِي الْعُقُودِ ضُمِنَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْعُقُودِ كَالْمُحَوَّلِ وَالْمَنْقُولِ. وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِهِ الْمَنْقُولُ ضُمِنَ بِهِ غَيْرُ الْمَنْقُولِ كَالْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ عُدْوَانٌ فَجَازَ أَنْ يُضْمَنَ بِهِ غَيْرُ الْمَنْقُولِ كَالْجِنَايَةِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا لَمْ يُنْقَلْ مُخْتَصٌّ بِالْمَنْعِ وَالْإِحَالَةِ كَالْحَبْسِ فَهُوَ أَنَّ الْمَحْبُوسَ عَنْ