وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ مَا وَجَبَ لِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ لَهُمْ فِي الْوَدِيعَةِ خُصُوصًا أَنْ يَنْتَقِصَ بِالْجُحُودِ وَالْمَنْعِ الزَّائِلَيْنِ مَعَ بَقَاءِ ضَمَانِهِمَا لَكَانَ مَرْدُودًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَا أَوْجَبَ الضَّمَانَ مِنَ التَّعَدِّي لَمْ يَزُلْ وَإِنَّمَا كُفَّ عَنِ اسْتَدَامَتِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ إِرْسَالِ الصَّيْدِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِلُزُومِ رده إليها صار إرساله جارياً مجرى ردع الْوَدِيعَةِ إِلَى مَالِكِهَا وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ بِنَائِهِمْ ذَلِكَ عَلَى أَصْلَيْنِ فَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَيْنِ غَيْرَ مُسَلَّمَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا يَدُ الْمُوَدَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّ رُكُوبَ الْمُوَدِعِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَرُكُوبَ الْمُوَدَعِ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَوْ تَسَاوَتْ أَيْدِيهِمَا لَسَقَطَ الضَّمَانُ فِيهِمَا وَأَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا فِي أَنَّ التَّعَدِّيَ فِي الْمَأْمُورِ لَا يَقْتَضِي زَوَالَ الْأَمْرِ كَالْوَكِيلِ إِذَا شَجَّ الْعَبْدَ أَوْ زَنَا بِالْجَارِيَةِ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ زَالَتْ وَكَالَتُهُ وَبَطَلَ بَيْعُهُ كَالْوَدِيعَةِ فِي بُطْلَانِ استثمانه بِالتَّعَدِّي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ وَكَالَتَهُ صَحِيحَةٌ وَبَيْعَهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مُوَكَّلٌ فِي الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ تَعَدٍّ وَلَوْ تَعَدَّى فِيهِ كَانَ بَاطِلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ المودع لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فَإِذَا تَعَدَّى لَمْ يَكُنْ مُؤْتَمَنًا.
: فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الضَّمَانِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ أو يحدث له استئماناً فَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ مَتَى رَدَّهَا إِلَى مَالِكِهَا أَوْ إِلَى وَكِيلِهِ فِي قَبْضِهَا بَرِئَ فَإِنِ اسْتَأْنَفَهُ دَفْعَهَا إِلَيْهِ ثَانِيَةً لَمْ يَضْمَنْ فَأَمَّا إِنْ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَبْرَأُ وَيَزُولُ عَنْهُ الضَّمَانُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ يُحْدِثُ لَهُ استثماناً لِأَنَّ مَنْ كَانَ قَبْضُهُ إِبْرَاءً صَحَّ مِنْهُ الْإِبْرَاءُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ لِعِلَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ فِي الْأَعْيَانِ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِالذِّمَمِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إِبْرَاءٌ مِنْ بَدَلٍ لَمْ يَجِبْ وَيَكُونُ تَأْوِيلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ يُحْدِثُ له استثماناً يعني استثمان وَكِيلٍ فِي الْقَبْضِ فَلَوْ أَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ لَهُ فِي رَدِّهَا إِلَى الْحِرْزِ بَعْدَ التَّعَدِّي كان في سقوط الضمان وجهان كالإبراء والله أعلم بالصواب.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا أَعَارَهُ بُقْعَةً يَبْنِي فِيهَا بِنَاءً لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَى يُعْطِيَهُ قِيمَةَ بِنَائِهِ قَائِمًا يَوْمَ يُخْرِجُهُ وَلَوْ وقت لَهُ وَقْتًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي البناء مطلقاً ولكن لو قال فإن انْقَضَى الْوَقْتُ كَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَنْقُضَ بِنَاءَكَ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ إِنَمَا غر نفسه ".