كَانَ لِمُدَّةِ الرُّكُوبِ أُجْرَةٌ فَهِيَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ يَمِينٌ يَسْتَحِقُّ بِهَا الْقِيمَةَ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُقِرٌّ بِهِ أُجْرَةً وَالْمَالِكَ يَدَّعِي قِيمَةً، فَصَارَا مُتَّفِقَيْنِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِهِ فَسَقَطَتِ الْيَمِينُ فِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْأُجْرَةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ إِقْرَارُ الرَّاكِبِ بِهَا وَهُوَ يَدَّعِي الْقِيمَةَ وَالرَّاكِبُ مُنْكِرٌ لَهَا فَإِذَا حُكِمَ لَهُ بِدَعْوَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِالْيَمِينِ.
: وَالْفَصْلُ الرَّابِعُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَالِكَ غَصَبْتَنِيهَا وَيَقُولَ الرَّاكِبُ أَجَّرْتَنِيهَا فَتَأْثِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي ضَمَانِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ وَالْمُؤَاجَرَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ بَاقِيَةً سَقَطَ تَأْثِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ. وَالثَّانِي: فِي لُزُومِ الْمُدَّةِ فَإِنْ كَانَتِ الْمُدَّةُ قَدِ انْقَضَتْ أَوِ الدَّابَّةُ قَدْ هَلَكَتْ سَقَطَ تَأْثِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ مع يمينه له مَا أَجَّرَهُ وَيَصِيرُ الرَّاكِبُ ضَامِنًا لِلدَّابَّةِ وَالْأُجْرَةِ فَيَأْخُذُهَا الْمَالِكُ بِغَيْرِ يَمِينٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنَ الْمُسَمَّى الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الرَّاكِبُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ إِلَّا بِيَمِينٍ. وأما القيمة فلا يستحقها إلا بيمين والله أعلم بالصواب.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَمَنْ تَعَدَّى فِي وديعةٍ ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى موضعها الذي كانت فيه ضمن لأنه خرج مِنَ الْأَمَانَةِ وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ استئماناً فَلَا يَبْرَأُ حَتَّى يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ كَالدَّابَّةِ يَرْكَبُهَا أَوْ كَالثَّوْبِ يَلْبَسُهُ أَوْ كَالدَّرَاهِمِ يُخْرِجُهَا لِلنَّفَقَةِ ضَمِنَهَا فَإِنْ كَفَّ عَنِ التَّعَدِّي وَرَدَّ الْوَدِيعَةَ إِلَى الْحِرْزِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ سَوَاءٌ رَدَّهَا أَوْ مِثْلَهَا وَقَالَ أبو حنيفة إِنْ رَدَّهَا بِعَيْنِهَا أَوْ رَدَّ مِثْلَهَا كَالدَّرَاهِمِ الَّتِي أَنْفَقَهَا سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَلَا يُجْعَلُ إِخْرَاجُهَا لِلنَّفَقَةِ تَعَدِّيًا قَبْلَ الْإِنْفَاقِ.
وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ رَدَّهَا بِعَيْنِهَا سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَإِنْ رَدَّ مِثْلَهَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى سُقُوطِ الضَّمَانِ بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " النَّدَمُ توبةٌ " فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ