أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ مُنْفَصِلًا عَنْ إِقْرَارِهِ فَقَوْلُهُ فِي تَلَفِهَا وَسُقُوطِ غُرْمِهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ سَوَاءٌ وَصَلَ إِقْرَارَهُ بِالْوَدِيعَةِ فَقَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةً، أَوْ لَمْ يَصِلْ وَلَوْ كَانَ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً ثُمَّ ادَّعَى تَلَفَهَا مِنْ بَعْدُ قُبِلَ مِنْهُ لِمَا ذكرنا من الفرق بين قوله عليّ وعندي.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ فَيَقُولُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً وَقَدْ تَلِفَتْ فَفِي قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ وَسُقُوطِ الْغُرْمِ عَنْهُ قَوْلَانِ: مِنْ تَبْعِيضِ - الْإِقْرَارِ فِيمَنْ قَالَ: ضَمِنْتُ أَلْفًا عَلَى أَنَّنِي بِالْخِيَارِ فَيَبْطُلُ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِآخِرِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ.
أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: يُقْبَلُ لِارْتِبَاطِ بَعْضِ الْكَلَامِ بِبَعْضِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ إِبْطَالَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى كَإِبْطَالِهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَاللَّهُ أعلم بالصواب.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ سئل فَإِنْ قَالَ هِبَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا إِلَى نَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُتَبَيَّنَ فلا يلزمه إلا أن يقر ورثته ولو قال له من داري هذه نصفها فَإِنْ قَالَ هِبَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا إِلَى نَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُتَبَيَّنَ لم يلزمه إلا أن يقر ورثته ولو قال له من هذه الدار نصفها لزمه ما أقر به ".
قال الماوردي: وهذا صحيح. إذا قال: له مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا هِبَةٌ لَا تُلْزَمُ إِلَّا بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمَالَ إِلَى نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَهُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يُعْمِلَ إِقْرَارَهُ بِمَا يَزُولُ مَعَهُ الِاحْتِمَالُ بِأَنْ يَقُولَ: لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَاجِبَةٌ أَوْ بِحَقٍّ فَيَكُونُ إِقْرَارٌ بِدَيْنٍ.
وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ مِنْ دَارِي هَذِهِ نَصِفُهَا كَانَتْ هِبَةً إِنِ ادَّعَاهَا أَوْ وَارِثُهُ قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ تَلْزَمْ إِلَّا بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ فِي إِضَافَتِهَا إِلَى نَفْسِهِ يَمْنَعُ مِنِ اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ لَهَا. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ مِنْ مِيرَاثِي عَنْ أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَتْ هِبَةً. فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ يَسْتَوِي حُكْمُهَا لِاسْتِوَاءِ تَعْلِيلِهَا إِلَّا أَنْ يَقُولَ: بِحَقٍّ وَاجِبٍ فَيَصِيرُ إِقْرَارًا بِمِلْكٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا إِذَا قَالَ: لَهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، كَانَ هذا إقرار لَازِمًا لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِاسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ يُضِفْهُ إِلَى مِلْكِهِ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: مِنْ هَذِهِ الدَّارِ نَصِفُهَا كَانَ إِقْرَارًا بِحَقٍّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ مِنْ مِيرَاثِ أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ إِقْرَارًا بِدَيْنٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ.
فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ يَسْتَوِي حُكْمُهَا لِاسْتِوَاءِ تَعْلِيلِهَا.