وَهَلْ يَلْزَمُهُ غُرْمُ قِيمَتِهَا لِلثَّانِي بِمَا عَقَّبَهُ مِنَ الْإِقْرَارِ لَهُ بِالْمِلْكِ أَوِ الْغَصْبِ أَمْ لا؟
على قولين:
أحدهما: نقله المزني ههنا مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَالْمَوَاهِبِ مِنَ الْأُمِّ أَنْ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِالْحُكْمِ الظَّاهِرِ الَّذِي لم ينقل به الْمُزَنِيُّ شَيْئًا أَنَّ الْغُرْمَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ.
فَإِذَا قِيلَ بِسُقُوطِ الْغُرْمِ عَنْهُ فَوَجْهُهُ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ فَعَلَ مَا لَزِمَهُ مِنَ الْإِقْرَارِ وَإِنَّمَا رَفَعَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ بِالْأَوَّلِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ فِعْلِ الْوَاجِبِ غُرْمٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَيْنَ الدَّارِ قَائِمَةً وَالْقِيمَةَ مَعَ وُجُودِهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الْغُرْمِ عَلَيْهِ فَوَجْهُهُ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ مُفَوِّتٌ لَهَا عَلَى الثَّانِي بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْمُسْتَهْلِكِ فَلَزِمَهُ الْغُرْمُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُقِرٌّ لِلثَّانِي بِالْغَصْبِ وَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِغُرْمِ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، كَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ مِنَ الْغَاصِبِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهَا الْمُقِرُّ إِلَى الْأَوَّلِ أَوْ يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ لِأَجْلِ إِقْرَارِهِ بِتَسْلِيمِهَا إِلَى الْأَوَّلِ فِي أَنَّ وُجُوبَ الْغُرْمِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَنَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنْ سَلَّمَهَا بِنَفْسِهِ لُزِمَ الْغُرْمَ قَوْلًا وَاحِدًا لِمَا بَاشَرَهُ مِنَ الْأَصَالَةِ بِالتَّسْلِيمِ. فَإِنْ سَلَّمَهَا الْحَاكِمُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة إِنْ سَلَّمَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يُغَرَّمْ وَإِنْ سَلَّمَهَا الْحَاكِمُ غُرِّمَ، قَالَ لِأَنَّ تَسَلُّمَ الْحَاكِمِ تَمْلِيكٌ فَصَارَ الْمَلِكُ مُسْتَهْلَكًا عَلَى الثَّانِي فَاسْتَحَقَّ الْغُرْمَ وَتَسْلِيمُهُ بنفسه ليس بتمليك فلم يغرم.
وعكسه ما ذَكَرْنَا أَشْبَهُ بِالْحَقِّ.
: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَصْبِهِ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ وَلَزِمَهُ غُرْمُ الْقِيمَةِ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالْغَصْبِ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ قَدْ عَاوَضَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الصَّائِرِ إِلَيْهِ فَغُرِّمَ وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يُعَاوِضْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُغَرَّمْ.