فَإِنْ عَزَاهُ إِلَى جِهَةٍ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ إِرْثٌ مِنْ أَبِيهِ أَوْ وَصِيَّةٌ عَنْ مُوصٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَلَزِمَ. وَإِنْ أَرْسَلَهُ وَأَطْلَقَهُ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَالْمَوَاهِبِ مِنْ كِتَابِ الْأُمِّ وَنَقْلَهُ الْمُزَنِيُّ ههنا: إِنَّ الْإِقْرَارَ بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ أبي يوسف، لأن إثبات الحقوق يجري بين الأحياء الموجودين غَالِبًا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ عَنِ الْحَمْلِ فَبَطَلَ بِغَالِبِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَصِحَّ لَهُ إِقْرَارٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِالْحُكْمِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا كِتَابٌ لَمْ يَنْقُلِ الْمُزَنِيُّ مِنْهُ شَيْئًا أَنَّ إِقْرَارَهُ صَحِيحٌ.
وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ محمد بن الحسن لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ لَزِمَ وَلَمْ يَبْطُلْ لِاحْتِمَالِ فَسَادِهِ وَجْهٌ كَمَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِلطِّفْلِ وَإِنِ اسْتَحَالَ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ بِمُعَامَلَتِهِ لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا فِي الصِّحَّةِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَمْلِ.
وَإِنْ عَزَا إِقْرَارَهُ إِلَى جِهَةٍ مُسْتَحِيلَةٍ، فَكَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لِمُعَامَلَتِي إِيَّاهُ أَوْ بِجِنَايَتِي عَلَيْهِ فَهَذِهِ حَالَةٌ مُسْتَحِيلَةٌ فِي الْحَمْلِ فَإِذَا وَصَلَ الْإِقْرَارُ بِهَا فَإِنْ قِيلَ بِبُطْلَانِ إِقْرَارِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَهَذَا إِذَا وَصَفَهُ بِالْمُحَالِ أُبْطِلَ، فَإِنْ قِيلَ بِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَفِيهِ إِذَا وَصَلَهُ بِصِفَةٍ مُسْتَحِيلَةٍ قَوْلَانِ مِنْ تبعيض الإقرار فيمن قال: ضمنت ألفا على أَنَّنِي بِالخِيَارِ: -
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِقْرَارَ لَازِمٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالصِّلَةُ رُجُوعٌ فَلَمْ يُقْبَلْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْإِقْرَارَ بَاطِلٌ لِأَنَّ بَعْضَ الْكَلَامِ مُرْتَبِطٌ بِبَعْضٍ وَحُكْمُهُ أَوَّلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى آخِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
: فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا فَإِنْ قِيلَ بِبُطْلَانِ إِقْرَارِهِ مَعَ التَّقْيِيدِ لِمَا يَسْتَحِيلُ أَوْ مَعَ الْإِطْلَاقِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا بصحة إقراره مع التقييد بالمكن أَوْ مَعَ الْإِطْلَاقِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّفْرِيعُ. فَنَقُولُ لَا يَخْلُو حَالُ الْمُقَرِّ لِحَمْلِهَا مِنْ أَنْ تَضَعَ حَمْلًا أَوْ لَا.
فَإِنْ لَمْ تَضَعْ حَمْلًا وَكَانَ مَا بِهَا غلظاً وربحاً بَطَلَ الْإِقْرَارُ لَهُ، ثُمَّ نُظِرَ فِي الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَزَاهُ إِلَى وَصِيَّةٍ بَطَلَتْ وَرُدَّتْ عَلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَإِنْ كَانَ قَدْ عَزَاهُ إِلَى مِيرَاثٍ رُدَّ عَلَى غَيْرِ الْحَمْلِ مِنْ وَرَثَةٍ مُسْتَحِقَّةٍ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَطْلَقَهُ أُقِرَّ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لِعَدَمِ مُدَّعِيهِ.
وَإِنْ وَضَعَتْ حَمْلًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَضَعَهُ حياً.