بحصة مَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الطَّعَامِ. مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَدَّ عَلَيْهِ عُشْرَ الثَّمَنِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِعُشْرِ الطَّعَامِ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ مُشْتَرِيَ الدَّرَاهِمِ إِذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا رَدَّهَا وَلَمْ تُبَدَّلْ. فَعَلَى هَذَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ قِيمَةَ مَا دَفَعَ مِنْ عُشْرِ الطَّعَامَ مِنَ الدَّرَاهِمِ الْمَعِيبَةِ الَّتِي رُدَّتْ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ بِإِزَاءِ حَقِّهِ اسْتَوْفَاهُ. وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ رَدَّ الزِّيَادَةَ وَلَمْ يَأْخُذْهَا. فَلَوْ أَبْرَأَ الْمُوَكِّلُ الْمُسْلَمَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّعَامِ بِقِسْطِ الْمَعِيبِ فَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا فِي يَدِ الْوَكِيلِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَعِيبَةِ. لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ. وَلَا لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا. لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ. فَإِنْ عَادَ الْمُوَكِّلُ فَصَدَّقَ الْمُسْلَمَ إِلَيْهِ عليها أَنَّهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ رَجَعَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِهَا عَلَى الْوَكِيلِ. لِأَنَّهُ يَقُولُ هِيَ لِي وَقَدْ أَبْرَأَنِي الْمُوَكِّلُ مِنْ طَعَامِهِ فَبَرِئْتُ. وَإِنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: هِيَ دَرَاهِمِي فَلِي الرُّجُوعُ بِهَا. فَلِلَّذِي يَسْبِقُ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْوَكِيلِ.
إِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا فِي شِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ فَهَلْ يَكُونُ الْوَكِيلُ خَصْمًا فِي الرُّجُوعِ بَدَرْكِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْوَكَالَةِ الْأُولَى أَمْ لَا؟ ذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ عَقْدِهِ.
وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ خَصْمًا إِلَّا بِاسْتِئْنَافِ وَكَالَةٍ. لِأَنَّ مَا اقْتَضَتْهُ الْوَكَالَةُ قَدْ تَقَضَّى وَالصَّحِيحُ عِنْدِي غَيْرُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَنْ نَنْظُرَ، فَإِنِ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الْمُوَكِّلِ، كَانَ الْوَكِيلُ خَصْمًا فِي الرُّجُوعِ بِدَرَكِهِ.
وَإِنِ اسْتَحَقَّ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِيهِ إِلَّا بِاسْتِئْنَافِ وَكَالَةٍ، لِأَنَّ بِحُصُولِهِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ قَدْ نُقِضَتْ أَحْكَامُ وَكَالَتِهِ وَانْقَطَعَتْ عَلَقُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَبْلَ وُصُولِهِ.
قَالَ الْمُزَنِيُّ رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ وَقَدْ وُكِّلَ هَذَا بِقَبْضِهِ لَمْ يَقْضِ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ فِي مَالٍ لَا يَمْلِكُهُ وَيَقُولُ لَهُ إِنْ شِئْتَ فَادْفَعْ أَوْ دَعْ وَلَا أَجْبُرُكَ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ (قال) وللوكيل وللمقارض أن يردا ما اشتريا بالعيب وليس للبائع أن يحلفهما ما رضي رب المال وقال ألا ترى أنهما لو تعديا لم ينتقض البيع ولزمهما الثمن وكانت التباعة عليهما لرب المال ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَذَكَرْنَا أَنَّ مُدَّعِيَ وَكَالَةِ الْغَائِبِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ لَا يَلْزَمُ دَفْعَ الْمَالَ إِلَيْهِ مَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِهِ وَسَوَاءٌ صَدَّقَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ فِي قَبْضِهِ أَوْ كَذَّبَ وَيَجُوزُ لَهُ مَعَ تَصْدِيقِهِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إِلَيْهِ جَوَازًا لَا وُجُوبًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. آخِرُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالمين كثيرا يتلوه كتاب الإقرار.