وَالسَّبَبُ الْمَعْقُودُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَاهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَإِذَا ذَكَرَاهُ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ بَلْ يَعْقِدَاهُ مُطْلَقًا مِنْ هَذَا الشَّرْطِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورِ الْبَغْدَادِيِّينَ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَعْقِدَاهُ كَذَلِكَ لأنه هكذا يَكُونُ فِي الْحُكْمِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَلْفُوظًا بِهِ فِي الْعَقْدِ.
فَإِذَا ثَبَتَ مَا وصفنا فللموكل حالتان:
أحدهما: أَنْ يُجِيبَ إِلَى بَيْعِهَا عَلَى الْوَكِيلِ إِنْ كَانَ صَادِقًا فَيَصِيرَ الْوَكِيلُ مَالِكًا لَهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَيَجُوزُ لَهُ إِمْسَاكُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَبَيْعُهَا وأخذ الفضل عن ثمنها.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يُجِيبَ إِلَى بَيْعِهَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَوْ كَانَ مَالِكًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَيْعِ مِلْكِهِ. وَهَلْ يَكُونُ الْوَكِيلُ مَالِكًا لَهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أبي سعيد الإصطخري: أَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدِ انْتَقَلَ عَنِ الْمُوَكِّلِ بِيَمِينِهِ فَاقْتَضَى أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى الْوَكِيلِ بِعَقْدِهِ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَسْتَمْتِعَ بِهَا. وَإِنْ بَاعَهَا مَلَكَ الْفَضْلَ مِنْ ثَمَنِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّهُ لَا يَصِيرُ مَالِكًا لَهَا وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِهَا مَا غَرِمَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لِمُوَكِّلِهِ. فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا وَإِذَا كَانَ فِي ثَمَنِهَا فَضْلٌ لَمْ يَمْلِكْهُ.
وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ وجهي أصحابنا في من لَهُ دَيْنٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَقَدْ ظَفِرَ بِمَالٍ لِغَرِيمِهِ. هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ بنفسه أو الحاكم؟ على وجهين: أحدهما يبيعه بنفسه.
والثاني: يَتَوَلَّاهُ الْحَاكِمُ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ بِقَدْرِ مَا دَفَعَ نَقْدًا اسْتَوْفَاهُ. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِبَاقِيهِ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ.
وَهَلْ يَجُوزُ إِقْرَارُهَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَا خَصْمَ لَهُ فِيهَا أَوْ يَنْزِعُهَا الْحَاكِمُ مِنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُقِرُّهَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَا خَصْمَ لَهُ فِيهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَنْزِعُهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ مَالٌ قَدْ جُهِلَ مُسْتَحِقُّهُ فَصَارَ كَأَمْوَالِ الْغَيْبِ ثُمَّ يَكُونُ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ مَالِكَهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وَلَا يَكُونُ عَدَمُ مِلْكِ الْبَائِعِ لَهَا بِمَانِعٍ مِنَ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا كَالْمُشْتَرِي مِنْ وكيل في بيعها.
قال المزني رضي الله عنه: " وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً فَاشْتَرَى غَيْرَهَا أَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهُ غَيْرَهَا بَطَلَ النِّكَاحُ وَكَانَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي لَا للآمر ".