بِخِلَافِ الْقَرِيحِ الْجَرِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ قَبْلُ، فَإِنْ كَانَ جُنُبًا اسْتَعْمَلَ مَا وَجَدَ مِنَ الْمَاءِ فِي أَيِّ بَدَنِهِ شاء وتيمم لِبَاقِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا اسْتَعْمَلَهُ فِي وَجْهِهِ مُقَدِّمًا مَا يَلْزَمُهُ تَرْتِيبُهُ فِي وُضُوئِهِ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِبَاقِي أَعْضَائِهِ، فَلَوْ كَانَ مُحْدِثًا، وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَوَجَدَ مِنَ الْمَاءِ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَبْلَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ لِلْحَدَثِ بَدَلًا، وَلَيْسَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بَدَلٌ، وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِحَدَثِهِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي نَجَاسَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَلَمْ يَكُنْ تَقْدِيمُ هَذِهِ بِأَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ هَذِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إِذَا لَمْ يُسْتَبَحْ مَعَهُ الصَّلَاةُ كَانَ بَاطِلًا، وَإِذَا تَقَدَّمَ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ لَمْ يُبِحِ الصَّلَاةَ، وَالْأَوَّلُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْرُوحَ يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ التَّيَمُّمَ عَلَى الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الصَّلَاةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(قال الشافعي) : " وَأُحِبُّ تَعْجِيلَ التَّيَمُّمِ لِاسْتِحْبَابِي تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَوْ أَخَّرَهُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ (قال المزني) قلت أنا كأن التعجيل بقوله أولى لأن السنة أن يصلي ما بين أول الوقت وآخره فلما كان أعظم لأجره في أداء الصلاة بالوضوء فالتيمم مثله وبالله التوفيق ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي مُسَافِرٍ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ عَادِمٌ لِلْمَاءِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَيَقَّنَ عَدَمَ الْمَاءِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ وَاحِدًا مِنَ الْأَمْرَيْنِ. فَإِنْ تَيَقَّنَ عَدَمَ الْمَاءِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِمَا قَدْ عَرَفَهُ مِنْ حَالِ طَرِيقِهِ وَإِعْوَازِ الْمَاءِ فِيهِ، فَالْأَفْضَلُ بِهِ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حَالُ الطَّهَارَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ صَارَ إِدْرَاكُ الْوَقْتِ فَضِيلَةً مُجَرَّدَةً وَإِنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِمَا قَدْ عَرَفَهُ مِنْ حَالِ طَرِيقِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ نهرٍ أَوْ وادٍ أَوْ بِئْرٍ كَانَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِتُؤَدَّى بِالطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ أَحَقَّ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَأَوَّلُ الْوَقْتِ يَجُوزُ تَرْكُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَصَارَ كَمَالُ الطَّهَارَةِ أَفْضَلَ مِنْ تَعْجِيلِ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ تَيَقُّنُهُ بِوُجُودِ الْمَاءِ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ كَانَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ كُلَّهُ مَحَلٌّ لِلطَّلَبِ، وَإِنْ كَانَ تَيَقُّنُهُ لِلْمَاءِ فِي غَيْرِ