وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ نَفَذَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ كَنُفُوذِ قَوْلِهِ عَلَى نَفْسِهِ. فَهَذَانِ قَوْلَا الشَّافِعِيِّ الْمَحْكِيَّانِ عَنْهُ.
وَأَمَّا وَجْهَا أَبِي الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَيْنِ ذَكَرَ احْتِمَالَهُمَا وَنَصَرَ تَوْجِيهَهُمَا.
أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِبْرَاءِ، كَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَصِحُّ مِنَ الْوَكِيلِ فِي الْحَالِ صَحَّ إِقْرَارُهُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ. وَمَا كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى نُصْرَتِهِ: أَنَّ مَا كَانَ الْإِقْرَارُ بِهِ كَإِيقَاعِهِ قُبِلَ قَولُهُ فِيهِ وَمَا كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ.
وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْقَوْلِ بِهِمَا وَجْهٌ إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ بَاقِيًا عَلَى الْوَكَالَةِ فَأَمَّا مَعَ عَزْلِهِ عَنْهَا فَلَا وَجْهَ لِتَخْرِيجِهِمَا لِمَا يَقْتَضِيهِ تَعْلِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، كَانَ الْجَوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مَحْمُولًا عَلَيْهَا وَصُورَتُهَا فِي مَنْ أَمَرَ وَكِيلَهُ بِبَيْعِ مَتَاعِهِ وَقَبْضِ ثَمَنِهِ. فَادَّعَى الْوَكِيلُ الْبَيْعَ وَقَبْضَ الثَّمَنِ، وَتَسْلِيمَهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ مِنْهُ، كَانَ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَقْبُولًا عَلَيْهِ لَكِنْ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الدَّفْعِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَأَنْكَرَ قَبْضَ الْوَكِيلِ الثَّمَنَ مِنَ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ. لِأَنَّ قَوْلَ الْوَكِيلِ يَدَّعِي عَمَلًا يُنْكِرُهُ الْمُوَكِّلُ. وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ فَهُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا أَمَرَ الرَّجُلُ وَكِيلَهُ بِشِرَى عَبْدٍ فَقَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَلِ اشْتَرَيْتُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَتِ الْأَلْفُ بِيَدِ الْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي شِرَى الْعَبْدِ بِالْأَلْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ.
وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ قَوْلُ الْوَكِيلِ أَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ لِقَبُولِ قَوْلِهِ فِي أَصْلِ الشِّرَى وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ أَصْلِ ثَمَنِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال المزني رضي الله عنه: " فإن طَلَبَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَمَنَعَهُ مِنْهُ فَقَدْ ضَمِنَهُ إِلَّا فِي حَالٍ لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ دَفْعُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا حَصُلَ مَعَ الْوَكِيلِ ثَمَنُ مَا بَاعَ لِمُوَكِّلِهِ، فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَمَنَعَهُ، فَلَا يَخْلُو حَالُ مَنْعِهِ فِي أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ. فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَحُدُوثٍ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ يَمْنَعُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى مَوْضِعِ الثَّمَنِ، أَوْ لِحُضُورِ فَرْضٍ مِنْ جُمُعَةٍ أَوْ