وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ بِالْإِذْنِ مُتَصَرِّفًا فِي حَقِّ مُسْتَنِيبِهِ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَكُونُ فِي التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهَا بِمَثَابَةِ الْوَكِيلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَى التَّفَرُّدِ بِهِ إِلَّا بِصَرِيحِ إِذْنٍ مِنْ سَيِّدِهِ. فَإِنْ وَكَلَّهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ صَحَّ التَّوْكِيلُ فَلَوْ بَاعَهُ السَّيِّدُ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهُ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ فِي نَفْسِهِ وَحَقِّ السَّيِّدِ.
فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَغَيْرِ إِذْنِهِ لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ بِإِذْنٍ وَغَيْرِ إِذْنٍ. فلو وكل وكيلا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَصَارَ رَقِيقًا بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. فَلَوْ أَدَّى وَعَتَقَ كَانَتِ الْوَكَالَةُ عَلَى حَالِهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِصَاصِهَا بِحُقِّ نَفْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ فِي مَنْ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ فَيَصِيرَ وَكِيلًا فَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِي شَيْءٍ تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ، جَازَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلَ غَيْرِهِ فِيهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَحْوَالُ النَّاسِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِي كُلِّ مَا تَصِحُّ فِيهِ الْوَكَالَةُ.
فَأَمَّا الْفَاسِقُ فَتَصِحُّ وَكَالَتُهُ فِيمَا لَا وِلَايَةَ فِيهِ.
فَأَمَّا مَا فِيهِ وِلَايَةٌ فَضَرْبَانِ: ضَرْبٌ تَكُونُ وِلَايَتُهُ عَلَى غَيْرِ الْإِذْنِ فِيمَا عليه وولي الْيَتِيمِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لَهُ وَلَا قَيِّمًا عَلَيْهِ.
وَضَرْبٌ تَكُونُ وِلَايَتُهُ عَلَى الْإِذْنِ كَالنِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ فَاسِقًا لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى وَلَايَةٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ نِيَابَةٌ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ جِهَةِ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ فَفِي جَوَازِ تَوْكِيلِهِ الْفَاسِقَ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ لِمَا فِيهِ فِي الْوَلَايَةِ الَّتِي يُنَافِيهَا الْفِسْقُ:
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ وَلَيْسَ بِمُطْلَقِ الْوَلَايَةِ.
فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيمَا فِيهِ وِلَايَةٌ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا فِي نِكَاحِ مُسْلِمٍ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُسْلِمِ لَا يَنْعَقِدُ بِكَافِرٍ بِحَالٍ.
وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي نِكَاحِ كَافِرٍ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي طَلَاقِ مُسْلِمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَاقَ مسلمة.