قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فِي عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي بَيْعِهِ فَبَاعَهُ الْمَأْذُونُ لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ إِنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْأَلْفَ الثَّمَنَ وَأَنْكَرَهَا الْبَائِعُ وَصَدَّقَهُ عَلَيْهَا الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ فَقَدْ بَرِئَ الْمُشْتَرِي بِتَصْدِيقِ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ مِنْ حِصَّتِهِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِقَبْضِ وَكِيلِهِ لَهَا ثُمَّ الْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ فَإِذَا حَلَفَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ يَخْتَصُّ بِهَا وَيَحْلِفُ لِشَرِيكِهِ بِاللَّهِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ حِصَّتَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ قَوْلَ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ قَدْ تَضَمَّنَ إِقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ وَدَعْوَى عَلَى شَرِيكِهِ فَكَانَ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ مَقْبُولًا فِي بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي فِي حقه وادعائه عَلَى شَرِيكِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَإِنْ قِيلَ مَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ يَمِينِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَقْسُومًا بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لم يقتسما عليه قبل مَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ حَقٌّ لَهُ لَا يَجُوزُ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُقَاسِمَهُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَقُولُ الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ الَّذِي لَمْ يَبِعْ بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِأَنَّ الْبَائِعَ ظَالِمٌ فِيمَا يَأْخُذُهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا يُقِرُّ بِأَنَّهُ ظَالِمٌ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ وَكَانَ أَبُو الْفَيَّاضِ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُونَ الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لَمَّا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ بِتَصْدِيقِهِ صَارَ كَالْقَابِضِ لِحَقِّهِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فَسْخًا لِلشَّرِكَةِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي الْمَقْبُوضِ حَقٌّ يُقَاسِمُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَقَامَ عَلَى الْبَائِعِ بَيِّنَةً بِدَفْعِ الثَّمَنِ إِلَيْهِ بَرِئَ مِنْ جَمِيعِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَكَانَ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ بِبَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ لَهَا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ قَبْضُ الثَّمَنِ كُلِّهِ فَلَوْ شَهِدَ عَلَى الْبَائِعِ شَرِيكُهُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لِيَحْلِفَ الْمُشْتَرِي مَعَهُ فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ إِذَا رُدَّ بَعْضُهَا هَلْ يُوجِبُ ذَلِكَ رَدَّ بَاقِيهَا لِأَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ فِي حِصَّةِ نَفْسِهِ فَلَوْ عَدِمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ وَنَكِلَ الْبَائِعُ عَنِ الْيَمِينِ فَرُدَّتْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَحَلَفَ بَرِئَ مِنَ الثَّمَنِ كله وكان الَّذِي لَمْ يَبِعْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بحصته يمين الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَعْدَ النُّكُولِ إِمَّا أَنْ تَجْرِيَ مَجْرَى الْبَيِّنَةِ أَوْ مَجْرَى الْإِقْرَارِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ الرُّجُوعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مسألة)
قال المزني رضي الله عنه: ولو كَانَ الشَّرِيكُ الَّذِي بَاعَ هُوَ الَّذِي أَقَرَّ بِأَنَّ شَرِيكَهُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ قَبَضَ مِنَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ قَبَضَ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ أَمِينٌ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالنِّصْفِ الْبَاقِي فَيُشَارِكُهُ فِيهِ صاحبه لأنه لا يصدق على حصة من الشركة تسلم إليه إنما يصدق في أن لا يضمن شيئا لصاحبه فأما أن يكون في يديه بعض مال بينهما فيدعي على شريكه مقاسمة يملك بها هذا البعض خاصة فلا يجوز ويحلف لشريكه فإن نكل حلف شريكه واستحق دعواه ".