وَدَلِيلُنَا أَنَّهَا شَرِكَةٌ فِي غَيْرِ مَالٍ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ بَاطِلَةً كَالشَّرِكَةِ فِي الِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ عَلَى أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ وَسَنَذْكُرُ الْحِجَاجَ فِيهَا، وَقَدْ مَضَى الْجَوَابُ عَنِ الْقِيَاسِ عَلَى شَرِكَةِ الْعِنَانِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ شَرِكَةَ الجاه لا تصح فلا يخلوا حَالُ مُشْتَرِي الْمَتَاعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِيَ لِصَاحِبِهِ.
والثالث: أن يشتريه بينهما فإن اشتراه بنفسه صَحَّ شِرَاؤُهُ وَصَارَ مِلْكًا لَهُ إِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ لَهُ وَإِنْ خَسِرَ فَالْخُسْرَانُ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ فِي رِبْحِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي خُسْرَانِهِ وَإِنِ اشْتَرَاهُ كُلَّهُ لِصَاحِبِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي شِرَاءِ نِصْفِهِ وَيَكُونُ الشِّرَاءُ لَازِمًا لَهُ فِي النِّصْفِ الزَّائِدِ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي أُذِنَ فِيهِ فَأَمَّا النِّصْفُ الْمَأْذُونُ فِيهِ فَيَلْزَمُ الْأَمْرُ عَلَى شُرُوطِهِ الَّتِي نَذْكُرُهَا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وإن اشتراه بينهما فهو في النصف مشتري لِنَفْسِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ فِي حُكْمِ الْمُشْتَرِي لِمُوَكِّلِهِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ وَصَفَ لَهُ النَّوْعَ الَّذِي يَتَّجِرُ فِيهِ سَوَاءٌ، كَانَ نَوْعًا أَوْ أَنْوَاعًا لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي شِرَاءِ مَا لَمْ يُوصَفْ بَاطِلٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُقَدِّرَ لَهُ الْمَالَ الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ، لِأَنَّ مَا لَمْ يُقَدِّرْهُ فَلَا نِهَايَةَ لَهُ بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْمَالِ وَالْمُضَارَبَةِ الْمُقَدَّرَتَانِ بِالْمَالِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَقْدِيرِهِمَا بِالذِّكْرِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَنْوِيَ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ أَنَّهُ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَبِيعِ لَا يَنْتَقِلُ عن المشتري إلى موكله إلا ببينة سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْذُونُ فِي ابْتِيَاعِهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَقَوْلِهِ اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ صَحَّ الشِّرَاءُ لِلْمُوكِّلِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَهَذَا فَرْقٌ يُوجِبُ الْقِيَاسَ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِ الْعَاقِدِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مِنْ شُرُوطِهِ النِّيَّةُ أَصْلُهُ مَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَأَمَّا مَا يَشْتَرِيهِ الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ فَيَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ فِي أَنَّهُ فِي حَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ فَإِذَا صَحَّ الشِّرَاءُ لَهُمَا عَلَى الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْخُسْرَانُ إِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي عَلَى شَرِيكِهِ نِصْفُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ فِيمَا اشْتَرَى وَبَاعَ لِأَنَّهُ عُمِلَ فِي مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَرِكَةٍ فَاسِدَةٍ إِذَا حَصَلَ الرِّبْحُ فِيهَا بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ وَكَانَ الْعَمَلُ لَهُمَا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ أُجْرَةِ مثله فإن تساويا تقاضا وَإِنْ تَفَاضَلَا تَرَادَّا الْفَضْلَ وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ لِأَحَدِهِمَا كَانَ لِلْعَامِلِ عَلَى الْآخَرِ نِصْفُ أُجْرَةِ مثله.