قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي عَقْدَيْهِمَا كَالْعَبْدِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الرِّقِّ فَضَمَانُهُمَا وَالضَّمَانُ عَنْهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعَبْدِ فِي ضَمَانِهِ وَالضَّمَانِ عَنْهُ، فَأَمَّا ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضْمَنَ فِي ذِمَّتِهِ فَضَمَانُهُ جَائِزٌ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَمْلَكُ لِذِمَّتِهِ مِنَ الْعَبْدِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَضْمَنَ فِيمَا بِيَدِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ. فَضَمَانُهُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَائِزٌ كَالْعَبْدِ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ لِأَجْلِ كِتَابَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ إِذْنُهُ فِي غَيْرِ الكتابة مؤثرا.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ مُكَاتَبٍ أَوْ مَالًا فِي يَدَيْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَارِضٍ وَضَمِنَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ فَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَاطَلٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَصِحُّ إِلَّا لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ فَأَمَّا مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِلْمُكَاتَبِ لِأَنَّ لَهُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ وَإِسْقَاطَ مَالِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ غَيْرَ لَازِمٍ فَضَمَانُهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ غَيْرَ لَازِمٍ، وَكَذَا الْأَمْوَالُ الَّتِي فِي يَدِ مَنْ لَا يَضْمَنُهَا كَمَالِ الشِّرْكِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَدِيعَةِ وَمَا فِي يَدِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْأُمَنَاءِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ إِلَّا أَنْ يَضْمَنُوهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَيَسْتَقِرَّ ضَمَانُ بَدَلِهِ فِي ذِمَمِهِمْ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ ضَمَانُهُ عَنْهُمْ.
فَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ كَالْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِي فَيَصِحُّ ضَمَانُ بَدَلِهَا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهَا فَأَمَّا ضَمَانُ أَعْيَانِهَا مَعَ بَقَائِهَا فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجَوَّزَهُ ابْنُ سريج وقد تقدم الكلام معه.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَضَمَانُ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَقْدُ وَثِيقَةٍ فَيَصِحُّ مِنَ الْمَرْأَةِ كَالرَّهْنِ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ ثُبُوتَ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ كَالْبَيْعِ وَيَجُوزُ ضَمَانُ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَأَنْ تَضْمَنَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا وَالزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ وَالْأَبُ لِابْنِهِ وَالِابْنُ لِأَبِيهِ كَمَا يَصِحُّ بَيْنَ الأجنبيين والله أعلم.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُبَرْسَمٍ يَهْذِي وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ وَلَا أَخْرَسَ لَا يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ وَالْكِتَابَ فَضَمِنَ لَزِمَهُ ".