قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالتَّجَارَةِ لِأَنَّ هَذَا اسْتِهْلَاكٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ وَالضَّمَانَ عَنْهُ يَنْقَسِمُ إِلَى خَمْسَةِ فُصُولٍ، فَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَنْ يَضْمَنَ الْعَبْدُ عَنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ مَالًا لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ.
فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فَلَا يَخْلُو ضَمَانُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَحَّ ضَمَانُهُ، وَكَانَ فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ - وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي إِفْصَاحِهِ إِنَّ ضَمَانَهُ إِذَا كَانَ عَنْ إِذْنِ السَّيِّدِ فِي كَسْبِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي التَّزْوِيجِ كَانَ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ فِي كَسْبِهِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ إِذْنَ السَّيِّدِ لَهُ بِالضَّمَانِ إِنَّمَا هُوَ إِذْنٌ بِالْمُعَامَلَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ بِالْمُبَايَعَةِ، ثُمَّ لَوِ ابْتَاعَ الْعَبْدُ مَالًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ دُونَ كَسْبِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَكَذَا الضَّمَانُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذْنُهُ بِالتَّزْوِيجِ، لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ لَا يَحْصُلُ لَهُ إِلَّا بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالْكَسْبِ.
وَإِنْ كَانَ ضَمَانُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ ضَمَانَهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَقْدٌ فَبَطَلَ بِغَيْرِ إِذْنِ السيد كالبيع.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ضَمَانَهُ صَحِيحٌ، وَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ إِذْنَ السَّيِّدِ يُعْتَبَرُ فِيمَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِيهِ، وَمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ مِنَ الضَّمَانِ لَا يَدْخُلُ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ ضَرَرٌ فَجَازَ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَضْمَنَ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ فِي مَالِ التِّجَارَةِ فَإِنْ ضَمِنَ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ عَلَى مَا مَضَى إِنْ كَانَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
وَإِنْ ضَمِنَ فِي مَالِ التِّجَارَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَضَمَانُهُ بَاطِلٌ لَا يَخْتَلِفُ، لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ مَرْصَدٌ لِلرِّبْحِ وَالزِّيَادَةِ وَهَذَا اسْتِهْلَاكٌ.
وَإِنْ ضَمِنَ فِي مَالِ التِّجَارَةِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِيمَا بِيَدِهِ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ ضَمَانُهُ، وَيُؤَدِّي مَا بِيَدِهِ فِيهِ فَإِنْ وَفَّى بِضَمَانِهِ، وَإِلَّا كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ حَتَّى عَتَقَ أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَالْحُرُّ إِنْ ضَمِنَ مَالًا عَيَّنَهُ بِيَدِهِ مَا حُكْمُهُ؟ قُلْنَا يَكُونُ الضَّمَانُ بَاطِلًا لأن الضمان