(قال المزني) : " فَإِنْ قَبَضَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْلُ الْمَالِ أَوْ أَحَالَهُ بِهِ بَرِئُوا جَمِيعًا وَلَوْ قَبَضَهُ مِنَ الضَّامِنِ الْأَوَّلِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَبَرِئَ مِنْهُ الضَّامِنُ الْآخَرُ وَإِنْ قَبَضَهُ مِنَ الضَّامِنِ الثَّانِي رَجَعَ بِهِ عَلَى الضَّامِنِ الْأَوَّلِ وَرَجَعَ بِهِ الْأَوَّلُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَبْرَأَ الطَّالِبُ الضَّامِنَيْنِ جَمِيعًا بَرِئَا وَلَا يَبْرَأُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِحَوَالَةٍ وَلَكِنَّ الْحَقَّ عَلَى أَصْلِهِ وَالضَّامِنُ مَأْخُوذٌ بِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ عَنِ الضَّامِنِ ضَامِنٌ ثَانٍ، وَعَنِ الثَّانِي ثَالِثٌ، وَعَنِ الثَّالِثِ رَابِعٌ هَكَذَا أَبَدًا إِلَى مِائَةِ ضَامِنٍ فَأَكْثَرَ وَيَكُونُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمْ شَاءَ فَإِذَا ضَمِنَ ضَامِنٌ عَنْ ضَامِنٍ عَنْ مَضْمُونٍ عَنْهُ، فَلِلْمَضْمُونِ لَهُ مُطَالَبَةُ أَيِّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ فَإِنْ سَقَطَ الْحَقُّ الْمَضْمُونُ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتُوْفِيَ بِالْأَدَاءِ أَوْ سَقَطَ بِالْإِبْرَاءِ فَإِنِ اسْتَوْفَاهُ الْمَضْمُونُ له بالأداء فإن أَدَّاهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ بَرِئَ مِنْهُ وَبَرِئَ الضَّامِنَانِ عَنْهُ لِأَنَّ ضَمَانَهُمَا لِلْحَقِّ وَثِيقَةٌ فِيهِ، فَإِذَا اسْتُوفِيَ الْحَقُّ ارْتَفَعَتِ الْوَثِيقَةُ كَالرَّهْنِ إِذَا اسْتُوفِيَ مَا رُهِنَ فِيهِ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ أَدَّاهُ الضَّامِنُ الْأَوَّلُ بَرِئَ وَبَرِئَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، وَبَرِئَ الضَّامِنُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ فَإِذَا أُدِّيَ سَقَطَ، ثُمَّ لِلضَّامِنِ الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ إِنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ أَدَّاهُ الضَّامِنُ الثَّانِي بَرِئَ وَبَرِئَ الضَّامِنُ الْأَوَّلُ برئ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، ثُمَّ لِلضَّامِنِ الثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الضَّامِنِ الْأَوَّلِ إِنْ كَانَ ضَمَانُهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَلِلضَّامِنِ الْأَوَّلِ إِذَا غَرِمَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ إِنْ كَانَ ضَمَانُهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَلَوْ كَانَ الضَّامِنُ الثَّانِي ضَمِنَ عَنِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَضَمِنَ الْأَوَّلُ عَنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنَ الضَّامِنَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِشَيْءٍ، أَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ وَهَكَذَا لَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمْ بِالْحَقِّ عِوَضًا أَوْ أَحَالَ بِهِ حَوَالَةً.
وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ فَإِنْ أَبْرَأَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ بَرِئَ، وَبَرِئَ الضَّامِنَانِ، لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ سَقَطَ فَزَالَتِ الْوَثِيقَةُ فِيهِ كَإِبْرَاءِ الرَّاهِنِ يُسْقِطُ الرَّهْنَ، وَإِنْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ الْأَوَّلَ بَرِئَ وَبَرِئَ الضَّامِنُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ فَرْعٌ لَهُ، وَلَمْ يَبْرَأِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الضَّامِنِ إِسْقَاطٌ لِلْوَثِيقَةِ، وَسُقُوطُ الْوَثِيقَةِ لَا يُبْطِلُ الْحَقَّ كَمَا لَوْ فَسَخَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، وَلَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ الثَّانِي بَرِئَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَبْرَأِ الضَّامِنُ الْأَوَّلُ وَلَا الْمَضْمُونُ عَنْهُ.
(فَصْلٌ)
فَلَوْ كَانَ الْمَالُ الْمَضْمُونُ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ فَرَدَّهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ بِعَيْبٍ بَرِئَ، وبرئ الضامنان لو اسْتُحِقَّ، فَلَوْ مَاتَ الْمَضْمُونُ لَهُ فَوَرِثَهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ بَطَلَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ بِالْإِرْثِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَقُّ، وَسُقُوطُ الْحَقِّ يُبْطِلُ الضَّمَانَ، وَلَكِنْ لَوْ وَرِثَهُ الضَّامِنُ بَطَلَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ مَا عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بَاقِيًا بِحَالِهِ لِلضَّامِنِ إِرْثًا، فَلَوْ كَانَ