أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِرْفَقًا كَامِلًا كَبَيْتٍ أَوْ خِزَانَةٍ تَصْلُحُ لِلسُّكْنَى أَوْ إِحْرَازِ الْقِيَاسِ فَتَكُونُ الدَّرَجَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. كَالسَّقْفِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا تَصَرُّفًا وَلَهُ عَلَيْهَا يَدًا فَصَارَا فِيهَا سَوَاءً.
إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ مُخْتَصٌّ بِالتَّصَرُّفِ فِي سُفْلِهَا وَالِارْتِفَاقِ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ الصُّعُودُ عَلَيْهَا.
وَصَاحِبُ الْعُلُوِّ مُخْتَصٌّ بِالصُّعُودِ عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا تَحْتَهَا. كَالسَّقْفِ الْمَجْعُولِ بَيْنَ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ لَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إِلَّا بِمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمِرْفَقُ نَاقِصًا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ تَحْتَهَا رَفٌّ أَوْ مَوْضِعُ جُبٍّ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْتًا كَامِلًا فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَالْبَيْتِ لِارْتِفَاقِهِمَا بِهَا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهَا أَكْمَلُ وَيَدَهُ عَلَيْهَا أقوى وهذا قول أبي حامد.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ زَرْعًا فِي أَرْضٍ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَرَاهِمَ فَجَائِزٌ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ زَرْعَهُ أَخْضَرَ مِمَّنْ يَقْصِلُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ زَرْعٌ فِي أَرْضٍ ادَّعَاهُ مُدَّعٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ وَصَالَحَهُ عَلَيْهِ بِمَالٍ بَذَلَهُ لَهُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الزَّرْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُها: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِكُلِّ حَالٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِحَالٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِكُلِّ حَالٍ كَالزَّرْعِ إِذَا اشْتَدَّ وَكَانَ بَارِزَ الْحَبِّ كَالشَّعِيرِ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُفْرَدًا بِحَالٍ كَالْبَذْرِ قَبْلَ نَبَاتِهِ وَمَا اشْتَدَّ مِنَ الزَّرْعِ إِذَا كَانَ مَسْتُورًا فِي أَكْمَامِهِ كَالْحِنْطَةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ.