بَيْعُهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْنِيَ فِيهَا أَنَّ الْأَرْضَ الْمَبِيعَةَ لَمْ يَبْقَ لِلْبَائِعِ فِيهَا حَقٌّ. وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِالْبُنْيَانِ فِيهَا ضَرَرٌ فَبَطَلَ الْعَقْدُ فِيهَا بِاشْتِرَاطِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُلُوُّ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَفِي الْبِنَاءِ عَلَيْهِ إِضْرَارٌ بِهِ فَصَارَ الشَّرْطُ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِحَقِّهِ فَافْتَرَقَا.
فَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ إذا شرط أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا إِذَا تَبَايَعَاهُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ: -
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَبْنِي عَلَيْهِ مَا احْتَمَلَهُ. لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مِنْ مَنَافِعِ مِلْكِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ فِيهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ لَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالسُّفْلِ وَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَى السُّكْنَى وَالِارْتِفَاقِ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ زِيَادَةٍ.
فَأَمَّا الْبَيْعُ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا لَازِمٌ وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ.
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى إِبْطَالِ بَيْعِ الْعُلُوِّ مُفْرَدًا عَنِ السُّفْلِ كَقَوْلِ أبي حنيفة.
وَتَعَلُّقًا بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الصُّلْحِ عَلَى إِشْرَاعِ الْجَنَاحِ الَّذِي قَدْ مَضَى الِانْفِصَالُ عَنْهُ.
ثُمَّ لِمَا حَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ قِسْمَةِ دَارٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا سُفْلُهَا وَلِلْآخَرِ عُلُوُّهَا.
فَجَعَلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْعُلُوَّ لَا يَجُوزُ إِفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيُّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا مَنَعَ مِنْ قِسْمَةِ الدَّارِ أَنْ يَكُونَ عُلُوُّهَا لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَسُفْلُهَا لِلْآخَرِ إِجْبَارًا أَوْ كُرْهًا.
لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِجْبَارِ تُوجِبُ تَعْدِيلَ الْمِلْكِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ لِيَكُونَ شَطْرُ الدَّارِ عُلُوًّا وَسُفْلًا لِأَحَدِهِمَا وَشَطْرًا لِلْآخَرِ بِقَدْرِ السِّهَامِ فِي الْمِلْكِ.
فَأَمَّا إِذَا تَرَاضَيَا الشَّرِيكَانِ بِقِسْمَةِ الدَّارِ عَلَى أَنْ يَكُونَ سُفْلُهَا لِأَحَدِهِمَا وَعُلُوُّهَا لِلْآخَرِ جَازَ.
وَالصُّلْحُ إِنَّمَا هُوَ عَقْدُ مُرَاضَاةٍ لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِجْبَارِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُعْتَبَرَ فيه قسمة الإجبار.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَتْ مَنَازِلُ سُفْلٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ فِي يَدَيْ آخَرَ فَتَدَاعَيَا الْعَرْصَةَ فَهِيَ بَيْنَهُمَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.