قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا كَانَ فِي دَارِ رَجُلٍ نَخْلَةٌ أَوْ شَجَرَةٌ، فَاسْتَعْلَتْ أَغْصَانُهَا وَانْتَشَرَتْ إِلَى دَارِ جَارِهِ، وَطَالَبَهُ الْجَارُ بِإِزَالَةِ مَا انْتَشَرَ فِي دَارِهِ مِنَ الْأَغْصَانِ فَذَلِكَ لَهُ.
وَعَلَى صَاحِبِ الشَّجَرَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى إِزَالَةِ ذَلِكَ عَنْهُ، لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ دَارًا مَلَكَ الِارْتِفَاقَ بِعُلُوِّهَا وَالْهَوَاءَ فِيهَا، فَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ إِسْقَاطُ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَتِ الشَّجَرَةُ يَابِسَةً، قَطَعَ الْأَغْصَانَ الْمُنْتَشِرَةَ عَنْهَا.
وَإِنْ كَانَتْ رَطْبَةً ثَنَاهَا وَشَدَّهَا إِلَى الشَّجَرَةِ أَوْ قَطَعَهَا إِنْ شَاءَ.
فَإِنْ بَادَرَ صَاحِبُ الدَّارِ فَقَطَعَ مَا انْتَشَرَ فِي دَارِهِ مِنَ الْأَغْصَانِ، فَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً لَا تَنْثَنِي جَازَ وَلَمْ يَضْمَنْ إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ يُضَمَّنُ إِذَا قَطَعَهَا بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ. وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ اتِّفَاقًا فَلَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِيهِ مُؤَثِّرًا.
فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْأَغْصَانُ رَطْبَةً فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الشَّجَرَةِ بِقِطَعِ الْغُصْنِ مِنْهَا، لِأَنَّ قَطْعَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إِزَالَةُ الضَّرَرِ عنه بأن يثني الغصن إلى الشجرة ويشد مَعَهَا فَصَارَ يَقْطَعُهُ مُتَعَدِّيًا،.
فَإِنْ طَالَبَ صَاحِبُ الْغُصْنِ أَنْ يُصَالِحَهُ الْجَارُ عَلَى تَرْكِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْغُصْنُ فِي الْهَوَاءِ لَمْ يَسْتَنِدْ عَلَى حَائِطِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ وَكَانَ بَاطِلًا.
لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَلَى الْهَوَاءِ، وَالصُّلْحُ عَلَى الْهَوَاءِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمِلْكِ فَلَمْ يَجُزْ إِفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ كَالْمَرَافِقِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْغُصْنُ قَدِ اسْتَنَدَ عَلَى حَائِطِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْغُصْنُ يَابِسًا فَالصُّلْحُ عَلَى إِقْرَارِهِ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى وَضْعِ جِزْعٍ فِي حَائِطِهِ. وَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ رَطْبًا فَفِي الصُّلْحِ عَلَى إِقْرَارِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورِ الْبَغْدَادِيِّينَ إِنَّ الصُّلْحَ عَلَى إِقْرَارِهِ بَاطِلٌ، لأنه ينمى مَعَ الْأَوْقَاتِ فَصَارَ صُلْحًا عَلَى مَجْهُولٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الصُّلْحَ عَلَيْهِ جَائِزٌ، وَيَكُونُ مَا حَدَثَ فِيهِ مِنَ النَّمَاءِ تَبَعًا لَا يَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِجَهَالَةِ مَا كَانَ تَبَعًا لَهُ مِنَ الْمَرَافِقِ وَالْأَسَاسِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ.