مِنْ عَرْصَةِ السُّفْلِ، إِذَا تَنَازَعَهَا صَاحِبُ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
فَأَمَّا صَاحِبُ الدَّارِ الَّتِي فِي صَدْرِ الزُّقَاقِ إِنْ أَرَادَ تَقْدِيمَ بَابِهِ جَازَ إِنْ لَمْ يُرِدْ إِدْخَالَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ إِلَى دَارِهِ.
وَإِنْ أَرَادَ إِدْخَالَ مَا وَرَاءَ الْبَابِ الْمُسْتَحْدَثِ إِلَى صَدْرِ الزُّقَاقِ فِي دَارِهِ فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا: هَلْ عَرْصَةُ الزُّقَاقِ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَ الدَّارَيْنِ أَمْ لَا؟
فَمَنْ قَالَ إِنَّهَا مُشْتَرِكَةٌ مَنَعَ صَاحِبَ الصَّدْرِ مِنْ إِدْخَالِ ذَلِكَ فِي دَارِهِ.
وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ مُشْتَرِكَةً وَإِنَّ مَا يَتَجَاوَزُ بَابَ الْأَوَّلِ يَخْتَصُّ بِمِلْكِ صَاحِبِ الصَّدْرِ جَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الدَّارِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقِرَّ بَابَهُ فِي مَوْضِعِهِ وَيَفْتَحَ دُونَهُ بَابًا ثَانِيًا جَازَ وَلَمْ يُمْنَعْ.
وَقَالَ أبو حنيفة: أَمْنَعُهُ مِنْ فَتْحِ بَابٍ ثَانٍ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَدْخَلًا وَاحِدًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى مَدْخَلَيْنِ.
وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلِاسْتِطْرَاقِ فِيهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَدْخَلٍ أَوْ مَدْخَلَيْنِ. وَلِأَنَّ مَوْضِعَ الْبَابِ الْمُسْتَحْدَثَ لَوْ أَرَادَ هَدْمَهُ لِغَيْرِ بَابٍ جَازَ فَكَذَا الْبَابُ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ دَارَانِ مُتَلَاصِقَانِ وباب كل واحدة منها إِلَى زُقَاقٍ مَرْفُوعٍ فَأَرَادَ هَدْمَ الْحَائِطِ الَّذِي بَيْنَ الدَّارَيْنِ جَازَ.
وَلَوْ أَرَادَ فَتْحَ بَابٍ مِنْ إِحْدَى الدَّارَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى غَيْرِ نَافِذٍ لِيَسْتَطْرِقَهُ لَمْ يَجُزْ.
وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة وَمَالِكٍ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَطْرِقًا إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الدَّارَيْنِ مِنَ الزُّقَاقِ الَّذِي لَا حَقَّ لَهَا فِي الِاسْتِطْرَاقِ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الزُّقَاقَ مَرْفُوعٌ فَيَجْعَلُهُ بِفَتْحِ الْبَابِ مُسْتَطْرَقًا غَيْرَ مَرْفُوعٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَخَبَّرَنَا بِهِ الإمام أبو علي الحسين بْنُ صَالِحِ بْنِ خَيْرَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَقَسَّمْتُهُ بَيْنَهُمَا إِنْ شَاءَا إِنْ كَانَ عَرْضُهُ ذِرَاعًا أُعْطِيهِ شِبْرًا فِي طُولِ الْجِدَارِ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَزِيدَ مِنْ عَرْصَةِ دَارِكَ أَوْ بَيْتِكَ شِبْرًا آخَرَ لِيَكُونَ لَكَ جِدَارٌ خَالِصٌ فَذَلِكَ لَكَ ".