قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَالدَّوَاخِلُ هِيَ وُجُوهُ الحيطان. والخوارج هي ظهور الحيطان وَأَنْصَافُ اللَّبْنِ فِيهِ تَأْوِيلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ كُسُورُ أَنْصَافِ اللَّبْنِ إِلَى أَحَدِهِمَا وَالصَّحِيحُ مِنْهُ إِلَى الْآخَرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِفْرِيزٌ يُخْرِجُهُ الْبِنَاءُ فِي أَعْلَى الْحَائِطِ نَحْوَ نِصْفِ لَبِنَةٍ لِيَكُونَ وِقَايَةً لِلْحَائِطِ مِنَ الْمَطَرِ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا مَعَاقِدُ الْقَمْطِ فَتَكُونُ فِي الْأَخْصَاصِ وَهِيَ الْخُيُوطُ الَّتِي يُشَدُّ بِهَا الْخُصُّ. لِأَنَّ الْقَمْطَ جَمْعُ قِمَاطٍ وَهُوَ الْخَيْطُ.
فَإِذَا تَنَازَعَ جَارَانِ حَائِطًا بَيْنَهُمَا وَكَانَ إِلَى أَحَدِهِمَا الدَّوَاخِلُ وَأَنْصَافُ اللَّبْنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مِلْكِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوِ ادَّعَى خُصًّا وَكَانَ إِلَى أَحَدِهِمَا مُعَاقِدُ الْقَمْطِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مِلْكِهِ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة.
وَجَعَلَ أبو يوسف ومحمد هَذِهِ دَلَائِلَ عَلَى الْمِلْكِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَهُمَا فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حُذَيْفَةَ أَنْ يَحْكُمَ فَحَكَمَ بِالْجِدَارِ لِمَنْ إِلَيْهِ مَعَاقِدُ الْقِمْطِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَصَبْتَ.
قَالُوا: لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي بِنَاءِ الْحَائِطِ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ إِلَى مَالِكِهِ وَظُهُورُهُ إِلَى غَيْرِهِ وَمَعَاقِدُ الْخُصِّ تَكُونُ إِلَى مَالِكِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِظَاهِرِ الْعَادَةِ.
كَمَا يُحْكَمُ بِهَا فِي اتِّصَالِ الْبُنْيَانِ.
وَهَذَا خَطَأٌ لِعُمُومِ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ".
وَلِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ قَدْ يُقْصَدُ بِهَا فِي الْبِنَاءِ الْجَمَالُ.
فَرُبَّمَا أَحَبَّ الْإِنْسَانُ أَنْ يَجْعَلَ أَجْمَلَ بُنْيَانِهِ، وَأَحْسَنَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَرُبَّمَا أَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهُ خَارِجًا فِيمَا يَرَاهُ النَّاسُ.
فَلَمْ يَجُزْ مَعَ اخْتِلَافِ الْعَادَةِ فِيهِ فِي سَائِرِ الْأَغْرَاضِ أَنْ يُجْعَلَ دَالًّا عَلَى الْمِلْكِ كَالتَّزَاوِيقِ وَالنَّقْشِ لَا يَكُونُ وُجُودُهُ مِنْ جَانِبِ أَحَدِهِمَا دَلِيلًا عَلَى مِلْكِهِ كَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ.