وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ اتِّصَالَهُ بِبَعْضِ حُدُودِ الدَّارِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْبِنَاءِ.
كَمَا أَنَّ اتِّصَالَهُ بِجَمِيعِ الْحُدُودِ تَرْبِيعًا لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْبِنَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِمَا عَلَى سَوَاءٍ. فَأَمَّا إِنْ كَانَ عَلَى الْحَائِطِ لِأَحَدِهِمَا أَزِجٌّ أَوْ قُبَّةٌ نُظِرَ فِي الْحَائِطِ فَإِنْ كَانَ قَدْ بُنِيَ مِنْ أَسَاسِهِ مُتَعَرِّجًا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ بَعْضِ الْقُبابِ وَالْأزاجِ فَهَذَا اتِّصَالٌ.
لِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيجَ لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُ مِثْلِهِ بَعْدَ كَمَالِ الْبِنَاءِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِنَاءُ الْحَائِطِ مُتَعَرِّجًا فَالْأَزُجُّ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ وَالْقُبَّةُ لَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْحَائِطِ كُلِّهِ لِأَنَّ إِحْدَاثَ مِثْلِ الْأَزُجِّ وَالْقُبَّةِ عَلَى الْحَائِطِ بَعْدَ كَمَالِ الْبِنَاءِ مُمْكِنٌ فَصَارَ كَالْأَجْذَاعِ. لَكِنْ مَا كَانَ مِنْ أَعْلَى الْحَائِطِ خَارِجًا عَنْ تَعْرِيجِ الْقُبَّةِ وَالْأَزُجِّ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْقُبَّةِ وَالْأَزُجِّ، وَمَا انْحَدَرَ عَنْهُ مِنَ انْتِصَابِ الْحَائِطِ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ غَيْرِ الْمُتَّصِلِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْحَائِطُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ يَنْتَهِي طُولًا إِلَى أَنْ يَتَجَاوَزَ مِلْكَ أَحَدِهِمَا وَلَا يَتَجَاوَزُ مِلْكَ الْآخَرِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ طُولُ الْحَائِطِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَعَرْصَةُ أَحَدِهِمَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَعَرْصَةُ الْآخَرِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا فَيَتَنَازَعَانِ مِنَ الْحَائِطِ مَا كَانَ بَيْنَ عَرْصَتَيْهِمَا مَعًا دُونَ الْقَدْرِ الْمُجَاوِزِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ هَذَا فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ أَوِ الْمُنْفَصِلِ، عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ لِأَنَّ مَا اتَّصَلَ بِعَرْضِهِ فِي بِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِمِثْلِ مَا اتَّصَلَ بِطُولِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ مُتَّصِلًا وَيَكُونَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعَرْضِ لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْبِنَاءِ وَاتِّصَالُ الطُّولِ يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْبِنَاءِ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاتِّصَالَ مَا ذَكَرْنَا وَكَانَ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ لِمَنِ اتَّصَلَ بِبِنَائِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ لِصَاحِبِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اتِّصَالَهُ بِمَا لَهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ يَدٌ وَصَاحِبُ الْيَدِ الْمُتَصَرِّفَةِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ كَمَنْ نُوزِعَ شَيْئًا فِي يَدِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ اتِّصَالَهُ بِمِلْكِهِ دَلِيلٌ عَلَى تَمَلُّكِهِ كَمَنْ نُوزِعَ بِنَاءً فِي أَرْضِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ دُونَ مُنَازَعَةٍ. ثُمَّ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ لِأَنَّ هَذَا دَالٌّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَيْسَ بِمُوجِبٍ لَهُ فَلَزِمَتْ فِيهِ الْيَمِينُ كَالْيَدِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إذا كان متصلا ببنائيهما أو منفصلا عن بنائيهما فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِ.
وَهَلْ يَكُونُ الْحَاكِمُ مُخَيَّرًا فِي الِابْتِدَاءِ بِإِحْلَافِ أَيِّهِمَا شَاءَ أَوْ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: