فَإِذَا ظَهَرَ رُشْدُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.
لِأَنَّ مَا يُوجِبُ زَوَالَ الْحَجْرِ يَفْتَقِرُ إلى اجتهاد بخلاف الجنون لذي الْإِفَاقَةُ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ.
وَيَرْتَفِعُ الْحَجْرُ بِوُجُودِ الْإِفَاقَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ. وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْوِلَايَةُ عَلَى السَّفِيهِ مَرْدُودَةً إِلَى أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ. بِخِلَافِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلَمْ يَرْتَفِعْ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَابْتِدَاءُ الْحَجْرِ عَلَى الصَّغِيرِ يَثْبُتُ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَجَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ مَعَ الْأَبِ بِغَيْرِ حُكْمٍ، فَإِذَا فَكَّ الْحَاكِمُ الْحَجْرَ عَنْهُ بِعَوْدَةٍ إِلَى حَالِ الرُّشْدِ جَازَ تَصَرُّفُهُ فَلَوْ عَادَ إِلَى حَالِ التَّبْذِيرِ وَالسَّفَهِ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعِيدَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ عَادَ إِلَى حَالِ الرُّشْدِ رَفَعَ الْحَجْرَ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ كُلَّمَا عَادَ إِلَى السَّفَهِ حُجِرَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَادَ إِلَى الرُّشْدِ فُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ لِأَنَّ كُلَّ عِلَّةٍ أَوْجَبَتْ حُكْمًا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ زَوَالُ تِلْكَ الْعِلَّةِ مُوجِبًا لِزَوَالِ ذَلِكَ الحكم.
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ أَجَزْتَ إِطْلَاقَهُ عَنْهُ وَهُوَ إِتْلَافُ مَالٍ؟ قِيلَ لَيْسَ بِإِتْلَاف مَالٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمُوتُ فَلَا تُورثُ عَنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَا تَحِلُّ لَهُ فِيهَا هِبَةٌ وَلَا بَيْعَةٌ وَيُورَثُ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ وَيُمْلَكُ ثَمَنُهُ فَالْعَبْدُ مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْذَنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالنِّكَاحِ فَيَكُونَ لَهُ الطَّلَاقُ وَالْإِمْسَاكُ دُونَ سَيِّدِهِ وَلِمَالِكِهِ أَخْذُ مَالِهِ كُلِّهِ دُونَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. طَلَاقُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ وَاقِعٌ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وأبو يوسف طَلَاقُهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِتْلَافُ مَالٍ كَالْعِتْقِ لِأَنَّ الْبُضْعَ يُمْلَكُ بِالْمَالِ وَيَزُولُ عَنْهُ الْمِلْكُ بِالْمَالِ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ طَلَاقُهُ، وَلِأَنَّ شَاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَمَضَى الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا فَرَجَعَ الشَّاهِدَانِ لَزِمَهُمَا مَهْرُ الْمِثْلِ.
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِتْلَافَ مَالٍ مَا لَزِمَهُمَا غُرْمُ الْمَالِ. وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ ".