فَإِنْ لَمْ يُنَادِ فِيهِمْ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ جَازَ وكان تصرفه بعد الإشهاد مردود أو سواء أَظْهَرَ الشَّاهِدَانِ ذَلِكَ أَوْ كَتَمَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَمَنْ بَايَعَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ فَهُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ " قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ مُبَايَعَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ بَاطِلَةٌ. فَإِنْ كَانَ السَّفِيهُ هُوَ الْبَائِعُ انْتُزِعَ مَا بَاعَ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ فِيهِ فَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يده الْمُشْتَرِي كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ دُونَ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ السَّفِيهُ هُوَ الْمُشْتَرِي كَانَ لِبَائِعِهِ انْتِزَاعُ ذَلِكَ مِنْ يَدِ السَّفِيهِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا. وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّفِيهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ. لِأَنَّ مَنْ عَامَلَهُ مَعَ ظُهُورِ حَالِهِ صَارَ هُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ.
وَلَكِنْ هَلْ يَلْزَمُهُ غُرْمُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فُتْيَا لَا حُكْمًا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمَالِكِ لِمُعَامَلَتِهِ رِضًا مِنْهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ غُرْمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ اسْتِهْلَاكَ مَالٍ عَلَى طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ.
وَلَكِنْ لَوْ ضَمِنَ مَالًا بَطَلَ ضَمَانُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْغُرْمُ حُكْمًا وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَجْهًا وَاحِدًا. لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الضَّمَانِ اسْتِهْلَاكٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الْتِزَامٍ إِذَا بَطَلَ سَقَطَ حُكْمُهُ.
: فَأَمَّا عَقْدُ الْخُلْعِ فَيَصِحُّ مِنَ السَّفِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ. لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ مِنْهُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَأَحْرَى أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ بِعِوَضٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِفَادَةُ مَالٍ مَحْضٍ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ اسْتِفَادَةُ مَالٍ مَحْضٍ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ خَلْعِهِ أَنْ تُسَلِّمَ الزَّوْجَةُ مَالَ الْخَلْعِ إِلَيْهِ وَتُسَلِّمُهُ إِلَى وَلِيِّهِ لِأَنَّهُ بِالْحَجْرِ قَدْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ قَبْضِ مَالِهِ.
فَإِنْ قَبَضَهُ السَّفِيهُ فَبَادَرَ الْوَلِيُّ إِلَى أَخْذِهِ مِنْهُ سَقَطَ عَنِ الزَّوْجَةِ.
وَإِنْ أَتْلَفَهُ السَّفِيهُ كَانَ الْحَقُّ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجَةِ وَعَلَيْهَا دَفْعُهُ ثَانِيَةً إِلَى الْوَلِيِّ وَلَا رُجُوعَ لَهَا عَلَى السَّفِيهِ بِمَا دَفَعَتْ إِلَيْهِ إِذَا اسْتَهْلَكَهُ. وَهَكَذَا إِذَا قَبِلَ السَّفِيهُ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ فَإِنْ سَلَّمَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَاسْتَهْلَكَهُ وَجَبَ عَلَى مَنْ أَقْبَضَهُ ذَلِكَ غُرْمُ الْوَصِيَّةِ دُونَ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْوَصِيَّةَ بِقَبُولِهِ فَيُلْزَمُ غُرْمَهَا لَهُ وَلَمْ يَمْلِكِ الْهِبَةَ بِقَبُولِهِ فَلَمْ يَجِبْ غُرْمُهُ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا عَقْدُ الْإِجَارَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ مُسْتَأْجِرًا كَانَ أَوْ مُؤَجِّرًا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ.