فَإِذَا اجْتَمَعَ رُشْدُهُ فِي دِينِهِ وَمَالِهِ وَجَبَ فَكُّ حَجْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ بِرُشْدِهِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ لَمَّا ثَبَتَتْ بِغَيْرِ حُكْمٍ ارْتَفَعَتْ بِالرُّشْدِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، وَإِنْ كَانَتِ الْوِلَايَةُ لِأَمِينِ حَاكِمٍ لَمْ تَرْتَفِعْ عَنْهُ إِلَّا بِحُكْمٍ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ وِلَايَتُهُ بِحُكْمٍ لَمْ تَرْتَفِعْ إِلَّا بِحُكْمٍ. وَإِنْ كَانَتِ الْوِلَايَةُ لِوَصِيِّ أَبٍ أَوْ جَدٍّ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَرْتَفِعُ بِالرُّشْدِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ كَالْأَبِ لِثُبُوتِهَا لِلْوَصِيِّ بِغَيْرِ حُكْمٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَرْتَفِعُ إِلَّا بِحُكْمٍ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ لَمْ تَثْبُتْ إِلَّا بِغَيْرِهِ كَأَمِينِ الْحَاكِمِ.
فَإِذَا صَارَ مَفْكُوكَ الْحَجْرِ بِمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ تَسْلِيمُ مَالِهِ إِلَيْهِ فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ صَارَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْهُ مَعَ زَوَالِ الْعُذْرِ ضَامِنًا لَهُ فَإِنْ عَقَدَ لَهُ فِيهِ عَقْدًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ كَانَ عَقْدُهُ بَاطِلًا.
فَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ أُجْرَةً بِحَقِّ قِيَامِهِ فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ فَقِيرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ أَجْرَ مثله بحق قيامه عليه. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] . وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] يَعْنِي بِمَالِهِ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ قِيَامِهِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهَا فَقِيرٌ دُونَ غَنِيٍّ كَسَائِرِ الْأُجُورِ. وَتَكُونُ الْآيَةُ مَحْمُولَةً عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَاخْتِبَارُ الْمَرْأَةِ مَعَ عِلْمِ صَلَاحِهَا لِقِلَّةِ مُخَالَطَتِهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَبْعَدُ فَتَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ وَذَوُو الْمَحَارِمِ بِمِثْلِ مَا وَصَفْتُ فَإِذَا أُونِسَ مِنْهَا الرُّشْدُ دُفِعَ إِلَيْهَا مَالُهَا تَزَوَّجَتْ أَمْ لَمْ تَتَزَوَّجْ كَمَا يُدْفَعُ إِلَى الْغُلَامِ نَكَحَ أَوْ لم ينكح لأن الله تبارك وتعالى سوى بينهما في دفع أموالهما إليهما بالبلوغ والرشد ولم يذكر تزويجا واحتج الشافعي في الحجر بعثمان وعلي والزبير رضي الله عنهم ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: وَاخْتِبَارُ الْجَارِيَةِ فِي رُشْدِهَا أَصْعَبُ مِنَ اخْتِبَارِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ حَالَ الْغُلَامِ أَظْهَرُ وَحَالَ الْجَارِيَةِ أَخْفَى وَالَّذِي يَتَوَلَّى اخْتِبَارَهَا ذَوُو مَحَارِمِهَا وَنِسَاءُ أَهْلِهَا بِخِلَافِ الْغُلَامِ الَّذِي يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَوَلَّى اخْتِبَارَهُ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا.
وَحَالُ النِّسَاءِ أَيْضًا يَخْتَلِفُ فِي الْبُرُوزِ وَالْخُفْيِ فَيُدْفَعُ إِلَيْهما مِنْ مَالِهَا مَا تَتَوَلَّى إِنْفَاقَهُ عَلَى نَفْسِهَا وَفِي تَدْبِيرِ خَدَمِهَا وَمَنْزِلِهَا فَإِذَا وُجِدَ مِنْهَا الْقَصْدُ فِي جَمِيعِهِ وَأَصَابَتْ تَدْبِيرَ مَا يَتَوَلَّاهُ النِّسَاءُ مِنْ أُمُورِ الْمَنَازِلِ وَاسْتِغْزَالِ الْكِسْوَاتِ مَعَ صَلَاحِ رُشْدِهَا فِي الدِّينِ عُلِمَ رُشْدُهَا وَوَجَبَ فَكُّ حَجْرِهَا سَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ.