الْوَاقِدِيُّ وَأَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ بَيْنَ أُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ سَنَتَيْنِ. قُلْنَا: نَقْلُ ابْنِ عُمَرَ أَثْبَتُ مِنْ نَقْلِ الْوَاقِدِيِّ.
وَقَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُرِضَ عَلَيْهِ عام أحد وهو في أول ستة أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَعُرِضَ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ في آخر ستة خمس عشرة فصار بينهما سنتان فإن قيل إن ابن عُمَرَ لَا يَعْرِفُ سِنَّ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ ير قط وِلَادَته فَلَمْ يَصِحَّ إِخْبَارُهُ بِهِ، قُلْنَا لَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا حَتَّى لَا يَجُوزَ الْإِخْبَارُ بِهِ لَمَا جَازَ لَهُ الْإِخْبَارُ بِنَسَبِهِ، وَلَمَا جَازَ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا ابْنُ عُمَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ وِلَادَةَ نَفْسِهِ عَلَى فِرَاشِ عُمَرَ.
فإن قيل: فقد يعلم بنسبه بالاستعاضة قيل وقد يعلم بسنه بالاستعاضة. وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا اسْتَكْمَلَ الْمَوْلُودُ خَمْسَ عَشرَةَ سنة كتب ماله وَمَا عَلَيْهِ وَأُخِذَتْ مِنْهُ الْحُدُودُ ".
وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ نَصٌّ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ وَبِمَا ذَكَرْنَا يَفْسُدُ وَجْهُ اسْتِدْلَالِهِمْ.
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى فَسَادِ مَا قَالُوا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ بُلُوغِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَأَنَّ لِلسِّنِّ مَعْنًى يَثْبُتُ بِهِ الْبُلُوغُ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِيهِ كَالِاحْتِلَامِ. وَلِأَنَّ الضَّعْفَ مَعْنًى يُوجِبُ الْحَجْرَ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِيهِ كَالْجُنُونِ وَلِأَنَّ مَا يَكْمُلُ بِهِ تَصَرُّفُهُمَا يَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَا فِيهِ وَلَا يَتَفَاضَلَا كَالرُّشْدِ، وَلِأَنَّهُ حَالٌ لَوْ أَسْلَمَ فِيهَا صَحَّ إِسْلَامُهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ فِيهَا بِبُلُوغِهِ كَالثَّمَانِيَ عَشْرَةَ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبُلُوغَ يَكُونُ بِخَمْسَ عَشرَةَ سَنَةً فَإِنَّمَا يَعْنِي السِّنِينَ الْقَمَرِيَّةَ الَّتِي كُلُّ سَنَةٍ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا هِلَالًا.
وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ أَنْ يَنْفَصِلَ الْمَوْلُودُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَكَذَا لَا مِيرَاثَ لَهُ حَتَّى يَنْفَصِلَ جَمِيعُهُ حَيًّا مِنَ الرَّحِمِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إِذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْمَوْلُودِ مِنَ الرَّحِمِ فَحِينَئِذٍ تُعْتَبَرُ أَوَّلَ سَنَةٍ. وَإِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ عِنْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ ثُمَّ خَرَجَ بَاقِيهِ مَيِّتًا وَرِثَ.
وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَوْلَى لِأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ مُقَرَّرَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَالٍ ثَبَتَ لَهَا حُكْمٌ لَمْ يَزَلْ حُكْمُهَا إِلَّا بِالِانْفِصَالِ عَنْهَا كَالْإِيمَانِ.
وَلِأَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ لَمَّا أَوْجَبَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَمْ تَنْقَضِ إِلَّا بَعْدَ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ صَارَ فِي حُكْمِ الْحَمْلِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الولادة لتنافيهما.