الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إِلَّا بِقَدْرِ أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ وَالتَّنَفُّلِ بِمَا هُوَ مِنْ مَسْنُونَاتِ فَرِيضَتِهِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ ذَلِكَ مَتَى تَرَاخَى بِهِ الزَّمَانُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَكَانَتْ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ يَلْزَمُهَا تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ عَقِيبَ طَهَارَتِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا وَلَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُهَا بِخِلَافِ طهارته الْمُسْتَحَاضَةِ؛ لِأَنَّ حَدَثَ الْمُسْتَحَاضَةِ يَتَوَالَى عَقِيبَ الطَّهَارَةِ فَبَطَلَتْ طَهَارَتُهَا بِالتَّأْخِيرِ، وَلَيْسَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ حَدَثٌ فَمُنِعَ مِنَ التَّأْخِيرِ.
: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَيَمِّمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ تَفْتَقِرُ إِلَى تَيَمُّمٍ ثانٍ، وَالتَّيَمُّمُ الثَّانِي يَفْتَقِرُ إِلَى طلبٍ ثانٍ، وَالطَّلَبُ يَقْطَعُ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّ من شرطه الموالاة والله أعلم.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سفرٍ طَالَ أو قصر واحتج في ذلك بظاهر القرآن وبأثر ابن عمر ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا يَخْلُو حَالُ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ مِنْ حَالَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ، فَإِنْ كَانَ فِي سَفَرٍ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ، وَصَلَاتُهُ بِهِ مُجْزِئَةٌ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا فِي سَفَرٍ مَحْدُودٍ، وَيَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ، وَقَدْ حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لَهُ بَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ، وَرَوَاهُ عَنْهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ يَجُوزُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ، وَلَعَلَّ حِكَايَةَ الْبُوَيْطِيِّ إِنْ صَحَّتْ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ حَكَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ فِي كُلِّ سَفَرٍ طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) {المائدة: 6) وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَتَيَمَّمُ بموضعٍ يُقَالُ لَهُ مَرْبِضُ النَّعَمِ، وَهُوَ يَرَى بُيُوتَ الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ قَدْ يُوجَدُ فِي قَصِيرِ السَّفَرِ كَمَا يُوجَدُ فِي طَوِيلِهِ، فَاقْتَضَى جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِأَجْلِهِ فِي الْحَالَيْنِ.
وَجُمْلَةُ الرُّخَصِ الْمُخْتَصَّةِ بِالسَّفَرِ سِتَّةٌ تَنْقَسِمُ على ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ مِنْهَا لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي سَفَرٍ مَحْدُودٍ قَدْرَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْقَصْرُ، وَالْفِطْرُ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثًا.
وَقِسْمٌ يَجُوزُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ وَهُوَ شَيْئَانِ التَّيَمُّمُ وَالتَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ.