عَنْهُ فَلَوْ مَاتَ الْمَحْبُوسُ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ مِنْ حَبْسِهِ وَدَفْعُهُ إِلَى أَهْلِهِ لِيَتَوَلَّوْا كَفَنَهُ وَدَفْنَهُ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَمْنَعُوا مِنْ دَفْنِهِ فَإِنْ مَنَعُوا نُهُوا فَإِنِ انْتَهَوْا وَإِلَّا عُزِّرُوا.
فَلَوْ هَرَبَ الْمَحْبُوسُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْحَاكِمِ طَلَبُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَبْسِهِ وَكَانَ لِلْخَصْمِ أَنْ يَطْلُبَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي مَوْضِعٍ تَعَذَّرَ عَلَى الْخَصْمِ إِحْضَارُهُ مِنْهُ لَزِمَ الْحَاكِمَ إِحْضَارُهُ مِنْهُ إِذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مِنْ عَمَلِهِ فَإِذَا حَضَرَ أَعَادَهُ إِلَى الْحَبْسِ إِذَا سَأَلَ ذَلِكَ الْخَصْمُ ثُمَّ سَأَلَ عَنْ سَبَبِ هَرَبِهِ؟ فَإِنْ قَالَ هَرَبْتُ لِإِعْسَارِي لم يعزر، لِأَنَّهَا شُبْهَةٌ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْإِعْسَارَ عَزَّرَهُ، وَلَا يُمْنَعِ الْمَحْبُوسُ مِنَ التَّطَلُّعِ إِلَى الطَّرِيقِ مِنْ كُوَّةٍ وَلَا مِنْ مُحَادَثَةِ مَنْ يَزُورُهُ، وَإِذَا وَجَبَ الْحَبْسُ عَلَى امْرَأَةٍ حُبِسَتْ عِنْدَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ أَوْ عِنْدَ ذِي مَحْرَمٍ وَمُنِعَ الزَّوْجُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُرْضِعًا حُمِلَ الطِّفْلُ إِلَيْهَا لِتُرْضِعَهُ مَا لَمْ تَجِدْ مِنْهُ بُدًّا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَمُنِعَتْ غُرَمَاءُهُ مِنْ لُزُومِهِ حَتَى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنْ قَدْ أَفَادَ مَالًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا أَطْلَقَ الْحَاكِمُ الْمُفْلِسَ عِنْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِإِعْسَارِهِ مُنِعَ غُرَمَاؤُهُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ وَقَالَ أبو حنيفة لَهُمْ أَنْ يُلَازِمُوهُ لَا عَلَى جِهَةِ التَّعْطِيلِ عَنْ مَكَاسِبِهِ وَلَكِنْ لِحِفْظِهِ وَمَنْعِهِ مِنَ الْهَرَبِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدًا وَمَقَالًا. وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَمُلَازَمَتُهُ تَمْنَعُ مِنْ إِنْظَارِهِ. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِغُرَمَاءِ مُعَاذٍ: " لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا مَا وَجَدْتُمْ " وَرُوِيَ " لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ ". وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِدَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُلَازَمَةُ بِهِ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ. فَأَمَّا المخبر فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُوسِرِ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْيَدِ فِي الْمُلَازَمَةِ وَالْمَقَالِ فِي الْمُطَالَبَةِ فَلَمَّا اسْتَحَقَّتِ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ كَذَلِكَ الملازمة.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا فِي يَدَيْهِ مَالًا سَأَلْتُهُ فَإِنْ قَالَ مُضَارَبَةٌ قُبِلَتْ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا أُطْلِقَ الْمُفْلِسُ بَعْدَ ثُبُوتِ إِعْسَارِهِ فَادَّعَى غُرَمَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ أَيْسَرَ وَسَأَلُوا الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ بِيَسَارِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إِعْسَارُهُ فَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى الْيَسَارِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى الْإِعْسَارَ بَعْدَ يَسَارٍ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ تَقُمِ الْبَيِّنَةُ بِيَسَارِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاللَّهِ أَنَّهُ عَلَى إِعْسَارِهِ وَهُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ - وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ حَلَفَ الْغُرَمَاءُ عَلَى يَسَارِهِ وَحُبِسَ حَتَّى يَبِينَ أَمْرُهُ وَإِنْ كَانَ الْغُرَمَاءُ حِينَ ادَّعَوْا عَلَيْهِ الْيَسَارَ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ. نُظِرَ فِي الْبَيِّنَةِ - فَإِنْ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ أَيْسَرَ لَمْ يُحْكَمْ بِهَذَا القول منهم حتى يذكروا وما بِهِ صَارَ مُوسِرًا وَيَصِفُوهُ إِنْ كَانَ غَائِبًا وَيُعَيِّنُوهُ إِن كَانَ حَاضِرًا فَإِنْ عَيَّنُوهُ أَوْ وصفوه