وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْحَقِّ وَيَتَرَادَّا فِي الْفَضْلِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَلْفًا وَالْحَقُّ أَلْفَيْنِ ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَلْفٍ وَرَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِبَقِيَّةِ الْقِيمَةِ وَهِيَ أَلْفٌ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ إِسْحَاقُ.
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْحَقِّ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ أَلْفَيْنِ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ أَلْفًا ضَمِنَهُ بِالْحَقِّ وَهُوَ أَلْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ أَلْفًا، وَقِيمَةُ الرَّهْنِ أَلْفَيْنِ ضَمِنَهُ بِالْحَقِّ وَهُوَ أَلْفٌ، حَتَّى قَالَ أَصْحَابُ هذا المذهب: لو كان قيمة الرهن درهم وَالْحَقُّ أَلْفًا ضَمِنَهُ بِأَلْفٍ، وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ شُرَيْحٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ.
وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ تَلَفُهُ ظَاهِرًا كَالنُّصْبِ وَالْحَرِيقِ وَانْهِدَامِ الدَّارِ وَنَفَاقِ الْحَيَوَانِ فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَإِنْ كَانَ تَلَفُهُ بَاطِنًا كَالسَّرِقَةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَذَاهِبِ النَّاسِ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ.
فَمَنْ أَوْجَبَ ضَمَانَهُ اسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ فَرَسًا فَنَفَقَ الْفَرَسُ فِي يَدَيِ الْمُرْتَهِنِ فَاخْتَلَفَا فَتَدَافَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذهب حقك قالوا: فلما خير الْمُرْتَهِنُ بِذَهَابِ حَقِّهِ لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ.
إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَخْبَرْ بِذَهَابِ وَثِيقَتِهِ أَوْ بِذَهَابِ الْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِهِ أَوْ بِذَهَابِ دَيْنِهِ فَلَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُخْبِرَ بِذَهَابِ وَثِيقَتِهِ لِأَنَّ هَذَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً بِالْحُسْنِ وَلَمْ يَكُنِ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَهَابِ الْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِهِ، لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِبَدَلِهِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَبْلَ تَلَفِهِ فَيَذْهَبُ بِتَلَفِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَهَابِ دَيْنِهِ، وَبِرِوَايَةِ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ ".
قَالُوا: فَلَمَّا جَعَلَ الرَّهْنَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ مُسْقِطًا لِلْحَقِّ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّهْنِ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِالْعَبْدِ ثُمَّ ثبت أن تلف العبد الجاني مسقطا للأرش فكذا تلف الرهن مسقط للحق.