غَالِبَ الْحِقَاقِ أَنَّ لَهَا قِيمَةً فَجَازَ رَهْنُهَا، وَالرَّهْنُ فِي الْخَرِيطَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الْخَرِيطَةِ لَا قِيمَةَ لَهَا فَلَمْ يَجُزْ رَهْنُهَا، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا لَا قِيمَةَ لِمِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهَا كَالْخَرِيطَةِ، وَلَوْ كَانَتِ الْخَرِيطَةُ مِمَّا لَهَا قِيمَةٌ جَازَ رَهْنُهَا كَالْحَقِّ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَرْهَنَهُ الْحَقَّ وَالْخَرِيطَةَ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ، فَإِنْ كَانَا يَعْلَمَانِ مَا فِيهَا صَحَّ الرَّهْنُ فِي الْحَقِّ وَالْخَرِيطَةِ مَعَ مَا فِيهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْخَرِيطَةُ مِمَّا لَهَا قيمة أو لَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ تَبَعًا لِمَا لَهُ قِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَا يَجْهَلَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَا فِي الْحَقِّ أَوِ الْخَرِيطَةِ كَانَ رَهْنُ مَا فِيهَا باطل لِلْجَهْلِ بِهِ، وَهَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْحَقِّ أَوِ الْخَرِيطَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يُمْنَعُ فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَعَلَى هَذَا فِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ.
وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الرَّهْنُ فِي الْحَقِّ إِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ، وَيَبْطُلُ فِي الْخَرِيطَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ، وَالْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ، وَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ فيه بين الإمضاء والفسخ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شُرِطَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلرَّهْنِ وَدَفَعَهُ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَغَيْرُ مَضْمُونٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. فَإِذَا شُرِطَ لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانُ الرَّهْنِ كَانَ شَرْطًا بَاطِلًا، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَعَقْدُهُ أَوْثَقُ "، وَلِأَنَّ لِلْعُقُودِ أُصُولًا مُقَدَّرَةً وَأَحْكَامُهَا مُعْتَبَرَةٌ لَا تُغَيِّرُهَا الشُّرُوطُ عَنْ أَحْكَامِهَا فِي شَرْطِ سُقُوطِ الضَّمَانِ وَإِيجَابِهِ كَالْوَدَائِعِ وَالشَّرِكَةُ لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ كَالْعُقُودِ لَا تُعْتَبَرُ مَضْمُونَةً بِالشُّرُوطِ وَالْقُرُوضِ وَالْعَوَارِي لَمَّا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْعَقْدِ لَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ بِالشَّرْطِ كَذَلِكَ الرَّهْنُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اشْتِرَاطَ ضَمَانِ الرَّهْنِ فَاسِدٌ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ، فَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ صَحَّ الرَّهْنُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَلَمْ يَكُنْ بُطْلَانُهُ قَادِحًا فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَهَذَا مِنَ الشروط الناقضة لِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ يَنْفِي بَعْضَ أَحْكَامِ الرَّهْنِ فَكَانَ الرَّهْنُ بِاشْتِرَاطِهِ فِيهِ بَاطِلًا قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ.
وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ، لَكِنْ يَكُونُ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ بِلَا رَهْنٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم.