فأما مؤونة رد العبد الآبق والجمل الشارد فواجب عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَا عَلَيْهِ كَفَنُ مَنْ مَاتَ من رقيقه ومؤونة دَفْنِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مَاشِيَةً فِي بَادِيَةٍ فَأَجْدَبَ مَوْضِعُهَا، لَمْ يُؤْمَرِ الْمَالِكُ بِعَلْفِهَا إِذَا كَانَتْ سَائِمَةً وَكُلِّفَ رَبُّهَا النُّجْعَةَ بِهَا، فَإِنْ أَرَادَ النُّجْعَةَ بِهَا وَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ حَبْسَهَا، قِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ إن رضيت أن تنجع بها وإلا اختر أَنْ تَضَعَهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ يَنْجَعُ بِهَا إِذَا طَلَبَ ذَلِكَ رَبُّهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنْ أَرَادَتِ الْمَاشِيَةُ النُّجْعَةَ مِنْ غَيْرِ جَدْبٍ وَالْمُرْتَهِنُ الْمَقَامَ، قِيلَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ: لَيْسَ لَكَ إِخْرَاجُهَا مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي رَهَنْتَهَا بِهِ إِلَّا مِنْ ضَرَرٍ عَلَيْهَا، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فَوَكِّلْ بِرَشْلِهَا مَنْ شِئْتَ يَعْنِي بِالرَّشْلِ اللَّبَنَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ النُّجْعَةَ مِنْ غَيْرِ جَدْبٍ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَ لَكَ تَحْوِيلُهَا مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي ارْتَهَنْتَهَا بِهِ وَبِحَضْرَةِ مَالِكِهَا إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، فَتَرَاضَيَا بِمَنْ شِئْتُمَا، مِمَّنْ يُقِيمُ فِي الدَّارِ أَنْ تَكُونَ عَلَى يَدَيْهِ مَا كَانَتِ الدَّارُ غَيْرَ مُجْدِبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى رجل تأوي إليه.
(فصل)
فَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ الَّتِي رَهَنَهَا بِهَا غَيْرَ مُجْدِبَةٍ وَغَيْرُهَا أَخْصَبُ مِنْهَا، لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى نَقْلِهَا مِنْهَا، وَإِنْ أَجْدَبَتْ فَاخْتَلَفَتْ نُجْعَتُهَا إِلَى بَلَدَيْنِ مُشْتَبِهَيْنِ فِي الْخِصْبِ، فَسَأَلَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ وَسَأَلَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ، قِيلَ لَهُمَا: إِنِ اجْتَمَعْتُمَا بِبَلَدٍ فَهِيَ مَعَ الْمُرْتَهِنِ أَوِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى يَدَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفْتُمَا أُجْبِرْتُمَا عَلَى عَدْلٍ تَكُونُ عَلَى يَدَيْهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَنْتَجِعُ إِلَيْهِ رَبُّ الْمَاشِيَةِ لِيَنْتَفِعَ بِرَشْلِهَا، فَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى بَلَدٍ فِيهِ عَلَيْهَا ضَرَرٌ لَمْ يَجِبْ إِلَيْهِ لِحَقِّ الرَّاهِنِ فِي رِقَابِهَا وَرَشْلِهَا وَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ في رقابها.
(فصل)
قال الشافعي رحمه الله، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ إِلَى أَجَلٍ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي حَالِ تَسَاقُطِ الْمَاشِيَةِ مِنَ الْهُزَالِ وَالضَّرَرِ: مُرْ مَنْ يَذْبَحُهَا وَيَبِيعُ لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يُحْدِثُ لَهَا الْغَيْثَ فَيَحْسُنُ حَالُهَا، وَإِنْ كَانَ حَالًّا أَخَذَ الرَّاهِنُ بِبَيْعِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَصَابَهَا مَرَضٌ وَكَانَ الْحَقُّ إِلَى أَجَلٍ، لَمْ يُكَلَّفِ الرَّاهِنُ عِلَاجَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَذْهَبُ بِغَيْرِ عِلَاجٍ.
وَلَوْ كَانَتِ الماشية أوارك أو خميصه أو غوادي فاستؤنيت مَكَانَهَا، فَسَأَلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يَنْجَعَهَا إِلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ، لِأَنَّ الْمَرَضَ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْمَرْعَى.