وَقَدْ مَنَعَ أبو حنيفة مِنَ اسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَإِجَارَتِهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اسْتِدَامَةِ قَبْضِ الرَّهْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ. فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا، فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ كَالدَّارِ، فَأَمَّا اسْتِخْدَامُهُ فَإِنْ كَانَ ثِقَةً جَازَ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ كَسُكْنَى الدَّارِ، وَقَدْ خَرَجَ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ بِنَفْسِهِ، كَمَا خَرَجَ فِي سُكْنَى الدَّارِ قَوْلٌ آخَرُ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُكْنَاهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَيْرَ ثِقَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ بِنَفْسِهِ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ سُكْنَى الدَّارِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِخْفَاءِ الْعَبْدِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِخْفَاءِ الدَّارِ عَنْ مُرْتَهِنِهَا، فَإِذَا اسْتَخْدَمَهُ أَوْ آجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ فَهُوَ كَالدَّارِ إِذَا سَكَنَهَا أَوْ آجَرَهَا لِلسُّكْنَى فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِلَّا فِي شَرْطٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَالْعَبْدَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ نَهَارًا، وَيَرْجِعُ فِي اللَّيْلِ إِلَى يَدِ مُرْتَهِنِهِ أَوِ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدِهِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ، وَسُكْنَى الدَّارِ فِي النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ دَابَّةً فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ، لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا، ثُمَّ تَعُودُ فِي اللَّيْلِ إِلَى يَدِ مُرْتَهِنِهَا.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِعَبْدِهِ وَلَا بِدَابَّتِهِ وَلَا يُؤَاجِرَهُمَا مِمَّنْ يُسَافِرُ بِهِمَا لِمَا فِي السَّفَرِ مِنَ التَّغْرِيرِ بِهِمَا وَإِحَالَةِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَنْهُمَا.
فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ ماشية فعلى ضربين:
أحدهما: أن تكون عامل كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَامِلَةِ فِي الْحُمُولَةِ وَالنَّاضِحِ. فَحُكْمُهَا حُكْمُ الدَّوَابِّ، لِأَنَّهَا مَفْقُودَةُ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ مُرْصَدَةٌ لِلرُّكُوبِ وَالْعَمَلِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ عَوَامِلَ قَدْ أُرْصِدَتْ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ سَائِمَةً أَوْ مَعْلُوفَةً، فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: -
إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَفْقُودَةَ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ عِنْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ، أَوْ مَوْجُودَةَ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَإِنْ كَانَتْ مَفْقُودَةَ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَكُلَّمَا حَدَثَ مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا فَهُوَ لِلرَّاهِنِ.
فَعَلَى هَذَا فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَحْلِبَهَا وَيَجِزَّ صُوفَهَا، أَمَّا الْحِلَابُ فَفِي وَقْتِ الْعَادَةِ وَلَا يَسْتَقْصِي فِيهِ اسْتِقْصَاءً يَضُرُّ بِالْمَاشِيَةِ مَعَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ النَّهْيِ عَنْهُ، وَأَمَّا جَزُّ الصُّوفِ فَفِي الزَّمَانِ الَّذِي لَا يَضُرُّ أَخْذُهُ بِالْمَاشِيَةِ، يَأْخُذُهُ جَزًّا وَلَا يَأْخُذُهُ حَلْقًا، وَيُبْقِي مِنْهُ بَعْدَ الْجَزِّ مَا يَكُونُ حَافِظًا لِلْمَاشِيَةِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةَ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَقْتَ عَقْدِ الرَّهْنِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا حَمْلٌ وَفِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَعَلَى ظُهُورِهَا صُوفٌ، فَفِي الْحَمْلِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ دَاخِلًا فِي الرَّهْنِ.