الحاوي الكبير (صفحة 245)

فصلاها ثم بانت ظهرا، ولأنه تطهر عن حدث فوجب أن لا يجزئه عن طهارة الجنابة كالواجد للماء، ودليلنا هو أنهما طهارتان متفقتان في الصورة والنية، فلم يكن الخطأ فيهما مانعا من إجزائهما قياسا على المرأة إذا اغتسلت من جنابة فكان حيضا، أو المحدث يتوضأ عن صوت وكان نوما، ولأنه تيمم عن أحد الحدثين، فوجب أن يكون الخطأ فيه غير مانع من الإجزاء، قياسا على ما إذا تيمم عن جنابة فكان محدثا، فكذا إذا تيمم عن حدث فكان جنبا، فالمعنى الذي ذكرنا، فأما الجواب عن استشهادهم بالصلاة فمن وجهين:

(فصل)

فَصَلَّاهَا ثُمَّ بَانَتْ ظُهْرًا، وَلِأَنَّهُ تَطَهَّرَ عَنْ حَدَثٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ عَنْ طَهَارَةِ الْجَنَابَةِ كَالْوَاجِدِ لِلْمَاءِ، وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ مُتَّفِقَتَانِ فِي الصُّورَةِ وَالنِّيَّةِ، فَلَمْ يَكُنِ الْخَطَأُ فِيهِمَا مَانِعًا مِنْ إِجْزَائِهِمَا قِيَاسًا عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ جَنَابَةٍ فَكَانَ حَيْضًا، أَوِ الْمُحْدِثِ يَتَوَضَّأُ عَنْ صَوْتٍ وَكَانَ نُوَّمًا، وَلِأَنَّهُ تَيَمَّمَ عَنْ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ فِيهِ غَيْرَ مَانِعٍ مِنَ الْإِجْزَاءِ، قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ فَكَانَ مُحْدِثًا، فَكَذَا إِذَا تَيَمَّمَ عَنْ حَدَثٍ فَكَانَ جُنُبًا، فَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِشْهَادِهِمْ بِالصَّلَاةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ، وَتَعْيِينُهَا فِي الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَحْدَاثَ إِذَا اجْتَمَعَتْ تداخلت، والصلاوات إِذَا تَرَادَفَتْ لَمْ تَتَدَاخَلْ، وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْمَاءِ فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ طَهَارَةَ الْجُنُبِ بِالْمَاءِ أَعَمُّ مِنْ طَهَارَةِ الْمُحْدِثِ فَلَمْ يُجْزِهِ وَطَهَارَةُ الْجُنُبِ بِالتُّرَابِ كَطَهَارَةِ الْمُحْدِثِ فَأَجْزَأَهُ.

(فَصْلٌ)

: (قَالَ الْمُزَنِيُّ) : لَيْسَ عَلَى الْمُحْدِثِ عِنْدِي مَعْرِفَةُ أَيِّ الْأَحْدَاثِ كَانَ مِنْهُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ للحدث ولو كان عليه معرفة أي الأحداث كان منه كما عليه معرفة أي الصلوات عليه لوجب لو توضأ من ريحٍ ثم علم أن حدثه بولٌ أو اغتسلت امرأةٌ تنوي الحيض وإنما كانت جنباً أو من حيضٍ وإنما كانت نفساء لم يجزئ أحداً منهم حتى يعلم الحدث الذي تطهر منه ولا يقول بهذا أحدٌ نعلمه ولو كان الوضوء يحتاج إلى النية لما يتوضأ له لما جاز لمن يتوضأ لقراءة مصحف أو لصلاةٍ على جنازةٍ أو تطوع أن يصلي به الفرض فلما صلى به الفرض ولم يتوضأ للفرض أجزأه أن لا ينوي لأي الفروض ولا لأي الأحداث توضأ ولا لأي الأحداث اغتسل ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا أَوَّلُ كَلَامِهِ فَصَحِيحٌ، وَهُوَ أَوَّلُ قَوْلِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ عِنْدِي مَعْرِفَةُ أَيِّ الْأَحْدَاثِ كَانَ مِنْهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ لَيْسَ لَهُ بِلَازِمٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لِلْحَدَثِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرَادَ التَّيَمُّمَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ كَالْوُضُوءِ، فَإِنْ أَرَادَ هَذَا وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَقَدْ حَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْهُ خَالَفْنَاهُ، فِيهِ وَقُلْنَا إِنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ أَرَادَ بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا، وَلَا يَخْلُو قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لِلْحَدَثِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا فِي الوضوء أو في التيمم، فإن ط أَرَادَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ فَهُوَ مُصِيبٌ فِي الْجَوَابِ مُخْطِئٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ فِي التَّيَمُّمِ فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي الْجَوَابِ وَالِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ رفع الحدث والله أعلم.

(مسألة)

: قال الشافعي: " وَإِذَا وَجَدَ الْجُنُبُ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ اغْتَسَلَ وإذا وجده الذي ليس بجنبٍ توضأ ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015