فَإِنْ طَالَبَ الرَّاهِنَ وَقَبَضَ مِنْهُ بَرِئَ الرَّاهِنُ والعدل جميعا، لا وَلَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الثَّمَنِ قَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ، وَإِنْ طَالَبَ الْعَدْلَ وَأَغْرَمَهُ فَقَدْ بَرِئَ الْعَدْلُ وَالرَّاهِنُ جَمِيعًا، وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّ غُرْمَهُ بِحَقِّ نِيَابَتِهِ عَنْهُ وَوِكَالَتِهِ لَهُ.
وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدَّفْعِ وَالرَّاهِنُ مُنْكِرٌ لِلْقَبْضِ، فَقَدْ بَرِئَ الْعَدْلُ من مطالبة الراهن وإن أنكر، لأن قول عليه مقبول ولم يبرأ العدل مِنْ مُطَالَبَةِ الْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ إِذْنِهِ بِالدَّفْعِ، وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ أَوِ الْعَدْلِ، فَإِنْ طَالَبَ الرَّاهِنَ وَقَبَضَ مِنْهُ بَرِئَ الرَّاهِنُ وَالْعَدْلُ جَمِيعًا، وَلَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ طَالَبَ الْعَدْلَ وَأَغْرَمَهُ بَرِئَ الْعَدْلُ وَالرَّاهِنُ جَمِيعًا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْعَدْلِ عَلَى الرَّاهِنِ مَقْبُولٌ فِيمَا بِيَدِهِ، وَغَيْرُ مَقْبُولٍ فِيمَا يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الرُّجُوعِ بِهِ، فَهَذَا حُكْمُ دَعْوَى الْعَدْلِ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ إِلَى الراهن.
فأما القسم الثاني وهو أن يدعي تَسْلِيمَ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:
أحدها: أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ قَدْ أَذِنَ لَهُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ.
وَالْمُرْتَهِنُ مُقِرٌّ بِالْقَبْضِ، فَقَدْ بَرِئَ الْعَدْلُ مِنْ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ بِإِذْنِهِ، وَبَرِئَ مِنْ مُطَالَبَةِ الْمُرْتَهِنِ بِإِقْرَارِهِ، وَقَدِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ قَدْ أَذِنَ لَهُ بِالدَّفْعِ، وَالْمُرْتَهِنُ مُنْكِرٌ لِلْقَبْضِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَدْلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُولًا عَلَى الرَّاهِنِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ لَهُ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَمِينٌ لِلرَّاهِنِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ مُطَالَبَةِ الْمُرْتَهِنِ، فَأَمَّا الراهن فله حالتان:
أحدهما: أَنْ يُكَذِّبَ الْعَدْلَ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَلَا يَبْرَأُ الْعَدْلُ مِنْ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ عَلَى الرَّاهِنِ فِيمَا يَدَّعِي تَسْلِيمَهُ وَغَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِ فِيمَا يَدَّعِي تَسْلِيمَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ عَلَى حَقِّهِمَا مِنْ مُطَالَبَةِ الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ، وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ مُطَالَبَةِ الْعَدْلِ أَوِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ طَالَبَ الْعَدْلَ فَأَغْرَمَهُ لَمْ يَرْجِعِ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ وإن أغرمه الراهن رجع الراهن على العدل.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُصَدِّقَ الْعَدْلَ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا عِنْدَ دَفْعِ الْعَدْلِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ بَرِئَ الْعَدْلُ مِنْ حَقِّ الرَّاهِنِ بِحُضُورِهِ، وَلَمْ يَبْرَأْ مَنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِإِنْكَارِهِ، وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ مُطَالَبَةِ الْعَدْلِ أَوِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ طَالَبَ الْعَدْلَ فَأَغْرَمَهُ لَمْ يَرْجِعِ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَظْلُومٌ بِهَا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ.