أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا كَانَ مَمْلُوكًا أَمْكَنَ أَنْ تُبَاعَ مَعَهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُبَاعَ دُونَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَعَ الْحُرِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا كَانَ مَمْلُوكًا فَحَضَانَتُهُ لِلْأُمِّ فَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا سَقَطَتِ الْحَضَانَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُرُّ؛ لِأَنَّ حَضَانَتَهُ لِلْأَبِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا إِسْقَاطٌ لِلْحَضَانَةِ.
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ بَيْعِهَا وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا لَمْ يَخْلُ حَالُ الدَّيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ قِيمَتِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، أَوْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيَمَتِهَا، أَوْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا. فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ قِيمَتِهَا وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ رَاهِنِهَا بيعت وصرف ثمنها في الدين وكذلك إن كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِيعَتْ وَصُرِفَ ثَمَنُهَا فِي الدَّيْنِ وَكَانَ بَاقِي الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ رَهْنٍ. فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا أَلْفًا وَالدَّيْنُ خَمْسَمِائَةٍ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُبَاعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَهُوَ النِّصْفُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إِلَّا أَنْ لَا يَشْتَرِيَ النِّصْفُ بِحَالٍ فَتُبَاعُ جَمِيعُهَا وَيَصِيرُ الدَّيْنُ كَأَنَّهُ مُحِيطٌ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يَقْضِي مِنْهُ الدَّيْنَ، وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ عَلَى الرَّاهِنِ.
فَأَمَّا إِذَا أَمْكَنَ بَيْعُ الْبَعْضِ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، فَلَوْ كَانَ لَهُ غُرَمَاءُ يَسْتَحِقُّونَ بَقِيَّةَ ثَمَنِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ الْبَاقِي مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ إِنَّمَا بِيعَ فِي دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّهْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَاقِي غُرَمَائِهِ، فَإِذَا بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ النِّصْفُ كَانَ النِّصْفُ الْبَاقِي أُمَّ وَلَدٍ لَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ بَيْعُهُ وَكَانَ هُوَ وَشَرِيكُهُ الْمُشْتَرِي مَمْنُوعَيْنِ مِنَ الْوَطْءِ، فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ عَتَقَتْ حِصَّتُهُ وَلَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ. لِأَنَّ التَّقْوِيمَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَجِبُ، وَتَكُونُ حِصَّةُ شَرِيكِهِ بَاقِيَةً عَلَى الرِّقِّ، وَإِنَّمَا يُعْتِقُ عَلَى الرَّهْنِ قَدْرَ حِصَّتِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ فِي قَوْلِ مَنْ يُعْتِقُهَا فَتَوَهَّمَ الْمُزَنِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَوَقَّفَ فِي عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَقَالَ: قَدْ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ بِعِتْقِهَا فِي كِتَابِ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ.
فَيُقَالُ لِلْمُزَنِيِّ: الْأَمْرُ عَلَى مَا ذكرت، ومذهب الشافعي لَمْ يَخْتَلِفْ فِي عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِالْمَوْتِ، وَأَنَّ بَيْعَهَا لَا يَجُوزُ فِي الْحَيَاةِ، وَإِنَّمَا قَالَ:
وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ فِي قَوْلِ مَنْ يُعْتِقُهَا يَعْنِي مِنَ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ فَقَالَ: يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا تُعْتَقُ بِالْمَوْتِ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَتُعْتَقُ بِالْمَوْتِ.