وضرب لا يحتاج إلى كيل لا وزن. فقبضه ينقله عَنْ مَوْضِعِهِ إِلَى غَيْرِهِ، سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ بِالنَّقْلِ عَنْ مِلْكِ بَائِعِهِ أَمْ لَا؟ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الدَّارَكِيُّ لَا يَكُونُ قَبْضًا حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِ بَائِعِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: حَتَّى يَحُوزَهُ التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ.
فَأَمَّا الْمُشَاعُ فَضَرْبَانِ: مَنْقُولٌ وَغَيْرُ مَنْقُولٍ. فَغَيْرُ الْمَنْقُولِ كأرض أو دار منه سهاما منها مشاعا، فصحة القبض في هذا مفتقرا إِلَى حُضُورِ الشَّرِيكِ، لِأَنَّ مِنْ صِحَّتِهِ أَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ وَلِلشَّرِيكِ يَدٌ فَكَانَ حُضُورُهُ فِي الْقَبْضِ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ. فَإِذَا حَضَرَ الشَّرِيكُ وَالرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، وَرَفَعَ الرَّاهِنُ يَدَهُ عَنْ حِصَّتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَصَارَتْ فِي قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ تَرَاضَيَا الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ جَازَ. وَإِنْ تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ الشَّرِيكِ جَازَ. وَإِنْ تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ جَازَ.
وَأَمَّا الْمَنْقُولُ كَسَهْمٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَوْهَرَةٍ أَوْ عَبْدٍ، فَقَبْضُ ذَلِكَ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إِلَى حُضُورِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ. فَإِنْ أَذِنَ الشَّرِيكُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي نَقْلِ جَمِيعِهِ صَحَّ، وَإِنْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلشَّرِيكِ فِي قَبْضِ جَمِيعِهِ لَهُ بِالتَّحْوِيلِ جَازَ، وَإِنْ أَذِنَا لِعَدْلٍ فِي قبضه لهما جاز.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَ فِي يَدَيِ الْمُرْتَهِنِ بِغَصْبٍ لِلرَّاهِنِ فَرَهَنَهُ إِيَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ كَانَ رَهْنًا وَكَانَ مضمونا على الغاصب بالغصب حَتَّى يَدْفَعَهُ إِلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ يُبَرِّئَهُ من ضمان الغصب (قال المزني) قلت أنا يشبه أصل قوله إذا جعل قبض الغصب في الرهن جائزا كما جعل قبضه في البيع جائزا أن لا يجعل الغاصب في الرهن ضامنا إذ الرهن عنده غير مضمون ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَوْ غَصَبَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا كَعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ ثم إن الغاصب حصل لَهُ عَلَى الْمَالِكِ مَالٌ فَرَهَنَهُ الْمَالِكُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَيَصِيرُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِعَقْدِ الرَّهْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي يَدِهِ بِغَصْبٍ.
وَإِنَّمَا جَازَ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّ لِلْغَاصِبِ الْمُرْتَهِنِ عليه يد وَمَنْ عَقَدَ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ كَانَ بِالْجَوَازِ أَوْلَى مِنْ عَقْدِهِ عَلَى مَا لَيْسَ بِيَدِهِ. فَإِذَا صَحَّ عَقْدُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ كَانَ تَمَامُهُ بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مُضِيُّ زَمَانِ الْقَبْضِ كَمَا قُلْنَا فِي الْوَدِيعَةِ إِذَا كَانَ بَقَاؤُهَا مَعْلُومًا.
وَالثَّانِي: الْإِذْنُ فِي قَبْضِهِ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُودِعَ قَابِضٌ مُتَسَلِّمٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى إِذْنٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْغَاصِبُ لَيْسَ بِقَابِضٍ، فَافْتَقَرَ إِلَى إِذْنٍ.
فَإِذَا تَمَّ الرَّهْنُ وَلَزِمَ كَانَ ضَمَانُ الْغَصْبِ بَاقِيًا لَا يَزُولُ عَنْهُ بِالرَّهْنِ الْحَادِثِ.