أَحَدُهَا: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِ النَّقْدِ لَا غَيْرَ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسَاءِ، وَإِنْ بَاعَ نَسَاءً كَانَ بَاطِلًا سَوَاءٌ أَخَذَ عَلَيْهِ رَهْنًا أَمْ لَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، فَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الثَّمَنِ رَهْنًا سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي أَخْذِهِ أَمْ لَا مَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ أَخْذَ الرَّهْنِ فِيهِ زِيَادَةُ احْتِيَاطٍ لِلسَّيِّدِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ إِذْنًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ النَّقْدَ، وَلَا يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ بِالنَّسَاءِ.
فَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي بَيْعَ النَّقْدِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي تَعْجِيلَ الْعِوَضِ فَعَلَى هَذَا: إِنْ بَاعَ بِالنَّسَاءِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ بَاطِلًا، سَوَاءٌ أَخَذَ عَلَيْهِ رَهْنًا أَمْ لَا.
وَإِذَا أَخَذَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ رَهْنًا فِيمَا بَاعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا فَقَالَ الْعَبْدُ: قَدْ فَسَخْتُ الرَّهْنَ لَمْ ينفسخ، ولأنه وَثِيقَةٌ لِسَيِّدِهِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِقَوْلِهِ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ: قَدْ فَسَخْتُهُ. انْفَسَخَ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دُيُونٌ فَلَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ بِفَسْخِ السَّيِّدِ لِأَنَّ دُيُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا فِي يَدِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُبْطِلَ حُقُوقَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ مِنَ الرَّهْنِ، وَالِاسْتِيثَاقِ بِهِ.
فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إِذَا أَخَذَ رَهْنًا عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ، فَقَالَ السَّيِّدُ: قَدْ فَسَخْتُهُ، لَمْ يَنْفَسِخْ، لِأَنَّ تَصَرُّفَ السَّيِّدِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ غَيْرُ نَافِذٍ، وَحَالُهُ مَعَهُ كَحَالِهِ مَعَ الْأَجَانِبِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَيَرْهَنَ عِنْدَ سَيِّدِهِ؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ المأذون له في التجارة.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَ لِابْنِهِ الطِّفْلِ عَلَيْهِ حَقٌّ جَازَ أَنْ يَرْتَهِنَ لَهُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا كَانَ وَلِيُّ الطِّفْلِ أَبًا أَوْ جَدًّا، فَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ لِفَضْلِ حُنُوِّهِ وَكَثْرَةِ نَفَقَتِهِ، وَانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عنه في تصرفه، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصَفَ حَالَهُ مَعَ وَلَدِهِ فَقَالَ: الْوَلَدُ مَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ مَجْهَلَةٌ فَوَصَفَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ.