فَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَيْعِ لَا يُخْتَلَفُ، لِأَنَّ مَا شَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ مِنَ الرَّهْنِ قَدْ صَارَ إِلَيْهِ بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ لِصِغَرِهِ، أَوْ لِعَدَمِ رُشْدِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَظٌّ فِي إِقْبَاضِ الرَّهْنِ، أَوْ لَا حَظَّ لَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ فِي إِقْبَاضِ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَتَوَلَّى إِقْبَاضَ الرَّهْنِ عَنْهُ، وَلَا أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ إِقْبَاضَ الرَّهْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ فِي مَالِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ، مَا كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ لَهُ.
فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَالْمُرْتَهِنُ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ وَبَيْنَ فَسْخِهِ.
وَإِنْ كَانَ لِلْوَارِثِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ حَظٌّ فِي إِقْبَاضِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ فِي بَيْعٍ فِيهِ فَضْلٌ، فَهَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْبِضَهُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا.
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَطَوِّعًا فِي مَالِ الْوَارِثِ بِإِقْبَاضِ مَا لَا يَلْزَمُ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ أَصَحُّ: يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ الرَّهْنَ عَنِ الْوَارِثِ لِمَا لَهُ فِيهِ مِنَ الْحَظِّ فَعَلَى هَذَا إِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَيْعِ. فَهَذَا الْكَلَامُ فِي مَوْتِ الرَّاهِنِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ فِي تَسْلِيمِ الرَّهْنِ إِلَى وَرَثَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِقْبَاضِهِمْ إِيَّاهُ، أَوْ مَنْعِهِمْ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ مَعَ الْمُرْتَهِنِ فِي حَيَاتِهِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ مَعَ وَارِثِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
فَإِنْ أَقْبَضَهُمُ الرَّهْنَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ، وَأَقْبَضَهُمْ إِيَّاهُ بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ، لِأَنَّهُ عَلَى حَالِهِ فِي الصِّحَّةِ. فَإِذَا قَبَضُوا الرَّهْنَ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ بِحُصُولِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي حَيَاتِهِ.
وَإِنْ مَنَعَهُمُ الرَّهْنَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ، وَالدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَجُوزُ أَمْرُهُمْ، أَوْ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُمْ:
فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ أَمْرُهُمْ لِبُلُوغِهِمْ وَرُشْدِهِمْ فَهُمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ، أَوْ فَسْخِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَظُّ لَهُمْ فِي إِمْضَائِهِ، أَوْ فَسْخِهِ لِأَنَّ الْفَسْخَ حَقٌّ لَهُمْ فَلَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ مَعَ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ.