الحاوي الكبير (صفحة 2279)

وَقَالَ أبو حنيفة: رَهْنُ الْمُشَاعِ يَصِحُّ مِنَ الشَّرِيكِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ.

قَالَ: لِأَنَّ رَهْنَهُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ يُوجِبُ مُهَايَأَةً بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ. وَالْمُهَايَأَةُ تُوجِبُ انْتِزَاعَ الرَّهْنِ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِاسْتِحْقَاقٍ قَارَنَ الْعَقْدَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ. أَصْلُهُ. إِذَا رَهَنَ شَيْئًا مَغْصُوبًا.

قَالَ: وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ تُوجِبُ تَسْلِيمَهُ إِلَى الْمُرْتَهِنِ يَوْمًا وَانْتِزَاعَهُ مِنْ يَدِهِ يَوْمًا، وَلَوْ شَرَطَ هَذَا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ كَانَ بَاطِلًا، فَكَذَا إِذَا اسْتَحَقَّ هَذَا بِعَقْدِ الرَّهْنِ كَانَ بَاطِلًا.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ كَالْمُجَوَّزِ فَإِنْ قِيلَ: فَالْخِلَافُ فِي صِحَّةِ قَبْضِهِ لَا في صحة عقده، قلنا: كلما صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا فِي الْبَيْعِ صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا فِي الرَّهْنِ كَالْمَحُوزِ. وَلِأَنَّهُ لَوْ رَهَنَ شَيْئًا مَحُوزًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ جَازَ الرَّهْنُ وَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُشَاعًا رَهْنًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ فَكَذَا إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْهُ مُشَاعًا رَهْنًا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُطْلَقًا.

وَتَحْرِيرُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قِيَاسًا:

أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْهَنَ جَمِيعُهُ عِنْدَ شَخْصٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْهَنَ بَعْضُهُ مُشَاعًا عِنْدَ ذَلِكَ الشَّخْصِ.

أَصْلُهُ: إِذَا رَهَنَ الْمَحُوزَ عِنْدَ رَجُلَيْنِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى رَهْنِ الْمَغْصُوبِ بِعِلَّةِ أن المهايأة واجبة، وهي توجب انتزاع مِنَ الْيَدِ.

قُلْنَا: الْمُهَايَأَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عِنْدَنَا لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّيْءِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنَ، فلم يلزم أحدهما: أن يعارض عَلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ بِمَا يَعْتَاضُهُ مِنْ مَنْفَعَةِ ملك صاحبه.

والثاني: أن في المهايأة تعجيل لحق مؤجل وتأجيل لِحَقٍّ مُعَجَّلٍ. وَتَعْجِيلُ مَا كَانَ مُؤَجَّلًا، وَتَأْجِيلُ مَا كَانَ مُعَجَّلًا غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَوْ وَجَبَتِ الْمُهَايَأَةُ لَكَانَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشَاعُ بَعْدَ الْمُهَايَأَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَغْصُوبِ لَمْ يَصِحَّ فَيَلْزَمُ بِهِ الرَّهْنُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشَاعُ بَعْدَ الْمُهَايَأَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ يَوْمًا رَهْنًا، وَيَوْمًا غَيْرَ رَهْنٍ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ. لِأَنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015