وَقَالَ مَالِكٌ لَهُ أَوْسَطُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ فَإِذَا كَانَ التَّمْرُ وَسَطَ الْجَيِّدِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوَّلِهِ مَنْزِلَةً لم يلزمه؛ لأن أوسط الْأُمُورِ أَعْدَلُهَا.
وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ إِذَا عَلِقَ بِاسْمٍ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِأَقَلِّ ذَلِكَ الِاسْمِ كَالْأَثْمَانِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْجَوْدَةَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا اعْتَبَرَ الْأَوْسَطَ فَقَدْ ضَمَّ إِلَيْهَا صِفَةً ثَانِيَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضُمَّ إِلَى صِفَاتِ السَّلَمِ صِفَةً غَيْرَ مشروطة فصح ما ذكرنا.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَتْ حِنْطَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ إِيَّاهَا نَقِيَّةً مِنَ التِّبْنِ وَالْقَصَلِ وَالْمَدَرِ وَالزُّوَانِ وَالشَّعِيرِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ مَوْصُوفٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مختلطا بغيره سواء اختلط بماله قِيمَةً أَوْ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ السَّلَمُ فِي حِنْطَةٍ لَمْ يلزمه أن يأخذ فيها تبنا ولا نصلا وَلَا مَدَرًا وَلَا زُوَانًا، حَتَّى تَكُونَ نَقِيَّةً مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَقَدِ اخْتَلَطَتْ بِشَعِيرٍ بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ سَوَاءً كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فِي الْحِنْطَةِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا من التبن والزوان وَالْقَصَلِ مُؤَثِّرٌ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فَأَمَّا إِنْ كَانَ فِي الْحِنْطَةِ تُرَابٌ فَإِنْ كَانَ التُّرَابُ كَثِيرًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إِلَّا نَقِيَّةً لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ يَسِيرًا فَإِنْ كَانَ السَّلَمُ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعَ يَسِيرِ التُّرَابِ لِتَأْثِيرِهِ فِي الْمِيزَانِ، وَإِنْ كَانَ السَّلَمُ فِيهَا كَيْلًا لَزِمَهُ أَخْذُهَا مَعَ التُّرَابِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْمِكْيَالِ لِحُصُولِهِ فِي الْخَلَلِ الَّذِي بَيْنَ حَبَّاتِ الْحِنْطَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِإِخْرَاجِهِ مَؤُونَةٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَكَذَا التَّمْرُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ الْحَشَفَ، فَأَمَّا أَقْمَاعُ التَّمْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهَا الْمُلْتَصِقَ بِالتَّمْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يأخذه إذا أخرج منه.
مسألة:
قال الشافعي: " وَأَمَّا مَا كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِثْلَ قِشْرِ الْأُرْزِ، أَوْ قِشْرِ الْحِنْطَةِ أو قشر العدس، قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُبُوبَ ذَاتَ الْكِمَامِ كَالْحِنْطَةِ، وَالْعَلَسِ، وَالْأُرْزِ، وَالْعَدَسِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا إِلَّا خَارِجَةً مِنْ كِمَامِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْكِمَامِ مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ، وَمَا جُهِلَ قَدْرُهُ وَصِفَتُهُ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ، فَأَعْطَى ذَلِكَ فِي كِمَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَقْبَلَهُ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لَا يَقَعُ مَوْقِعَهُ ".
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ التَّمْرَ إِلَّا جَافًّا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: وَلِأَنَّهُ قَبْلَ جَفَافِهِ لَا يَكُونُ تَمْرًا فَمَتَى كَانَ رَطْبًا لم يجمد