لَوْلَا أَنَّ الْوَصْفَ لَهَا يَقُومُ مَقَامَ النَّظَرِ إِلَيْهَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْعُرْفُ فَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ كَانَتْ تَكْتَفِي بِالصِّفَةِ عَنِ الْمُشَاهَدَةِ حَتَّى وَصَفُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِصِفَاتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ، وَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَعْرِضُوا فَرَسًا لِلْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ وَصَفُوهُ صِفَةً تُغْنِي عَنِ الْمُشَاهَدَةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: " مِنْ وَصْفِكَ فَقَدْ سَمَّاكَ الْعَرَبُ "، وَإِذَا ضَبَطَ صِفَةَ الْحَيَوَانِ بِأَيِّ صِفَةٍ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ صَحَّ فِيهِ السَّلَمُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمَوْصُوفَاتِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ النَّهْيِ بِدَلَالَةِ جَوَازِ السَّلَمِ فِيمَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ مِنَ الْمَزْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ خَبَرَي سَمُرَةَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ لِأَجْلِ النِّسَاءِ وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونَ مِنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ بِالصِّفَةِ فَلَمْ يَسْلَمِ الدَّلِيلُ مِنْهُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النِّسَاءِ إِذَا كَانَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مَعًا.
فَأَمَّا قَصْدُ الْمُزَنِيُّ بِهِ فَهُوَ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُشَاهَدَةَ الثَّمَنِ تُغْنِي عَنِ الصِّفَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِيهَا أَنَّهُمْ وَصَفُوا مَا دَفَعُوهُ مِنَ الْحَيَوَانِ سَلَفًا فَاقْتَصَرُوا عَلَى الْمُشَاهَدَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيُّ لَيْسَ بِدَلِيلٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ فَاقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى ذِكْرِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ شَرْطَهُ بِالصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ لَا بُدَّ مِنْ صِفَتِهِ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ ذِكْرُهَا فَكَذَلِكَ الثَّمَنُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَلْزَمَ وَصْفَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ ذِكْرُهُ.
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الجلد لما لم يجز السلم فيه وهو بعض الحيوان كان جميع الحيوان أولى فهذا مما لا يصح اعتباره والأصول تدفعه ألا ترى أن الحمل لا يصح بيعه ويصح بيع الأم مع حملها فكذا الجلد وإن لم يصح السلم فيه لا يمنع من السلم في الحيوان.
وأما الجواب عن قولهم إن الحيوان يجمع أشياء مختلفة فلم يجز السلم فيه كالمعجونات فهو أن جملة الحيوان مقصود وليس تقدير ما فيه من أنواعه مقصود وهو متشاغل الخلقة وكل ما فيه مقدر وليس كالمعجونات التي يقصد منها تقدير أنواعها وإذا صبغها الآدميون أمكنهم زيادة جنس ونقصان غيره فاختلفا. وأما قوله إنه غير مضبوط الصفة فقد دللنا على أنه مضبوط الصفة بالشرع والعرف فدل بما ذكرنا على جواز السلم في الحيوان وهو ما قصده الشافعي بهذا الفصل.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي السَّلَمِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ سَوَاءً كَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَالْإِبِلِ سَلَمًا فِي الْإِبِلِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَالْإِبِلِ سَلَمًا فِي الْبَقَرِ إِلَّا الْجَوَارِي سَلَمًا فِي الْجَوَارِي فَفِيهِ وَجْهَانِ: