فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوْجِيهِ الْقَوْلَيْنِ فَلَا يَخْلُو حَالُ الثَّمَنِ فِي السَّلَمِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُشَاهَدًا مَوْصُوفًا فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ عَنْهُ بِمُشَاهَدَتِهِ وَانْتِفَاءِ الْغَرَرِ عَنْهُ بِصِفَتِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُشَاهَدٍ وَلَا مَوْصُوفٍ فَهَذَا بَاطِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِلْجَهَالَةِ بِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا غَيْرَ مُشَاهَدٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ يَصِفُهَا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ يَصِفُهَا ثُمَّ يَتَقَابَضَا الدَّنَانِيرَ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ.
فَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ سَلَمٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يصير كلا الْبَدَلَيْنِ مَوْصُوفًا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَلَا تَرَى أَنَّ بُيُوعَ الْأَعْيَانِ لَمَّا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِيهِ مَوْصُوفًا وَهُوَ الثَّمَنُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ الْآخَرُ مَوْصُوفًا وَهُوَ الْمُثَمَّنُ. وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ: إِنَّ السَّلَمَ جَائِزٌ لِأَنَّ مَا كَانَ مَوْصُوفًا وَأُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى صِفَتِهِ اسْتُغْنِيَ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ كَالثَّمَنِ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ يَنْبَنِي عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ.
وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُشَاهَدًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ الَّتِي قَدْ شَاهَدْتَهَا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ مِنْ حَالِهَا وَصِفَتِهَا فَهَذَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ إِذَا قِيلَ إِنَّ صِفَةَ الثَّمَنِ شَرْطٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَائِزٌ إِذَا قِيلَ إِنَّ صِفَةَ الثَّمَنِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ثُمَّ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إِحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ فِي السَّلَمِ مِمَّا لَا يَجُوزُ فيه السلم ولا يضبط بِالصِّفَةِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ فَيَكُونُ جَوَازُ السَّلَمِ إِذَا كَانَ هَذَا ثَمَنًا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ إِذَا قُلْنَا إِنَّ صِفَةَ الثَّمَنِ الْمُشَاهَدِ شَرْطٌ؛ لأن صفته مقدرة.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُسْلِمَ شَيْئًا وَاحِدًا فِي جنسين مختلفين كما أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابِ قُطْنٍ وَخَمْسَةِ أَثْوَابِ كَتَّانٍ فَيَكُونُ السَّلَمُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَذْكُرَ قِسْطَ كُلِّ جِنْسٍ مِنَ الثَّمَنِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يُوجِبُ فِيهِ الوصف الثَّمَنُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَصِحُّ السَّلَمُ وَإِنْ لَمْ يذكر قسط كل جنس من الثمن على القول الذي